الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ***
قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُتَمَتِّعِ الذي حَلَّ وَغَيْرِهِ من الْمَحَلَّيْنِ بِمَكَّةَ الْإِحْرَامُ يوم التَّرْوِيَةِ وهو الثَّامِنُ من ذِي الْحِجَّةِ. هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ الْمَكِّيُّ يُهِلُّ إذَا رَأَى الْهِلَالَ قال كَذَا يُرْوَى عن عُمَرَ. قال الْقَاضِي فَنَصَّ على أَنَّهُ يُهِلُّ قبل يَوْمِ التَّرْوِيَةِ. وقال في التَّرْغِيبِ يُحْرِمُ الْمُتَمَتِّعُ يوم التَّرْوِيَةِ فَلَوْ جَاوَزَهُ غير مُحْرِمٍ لَزِمَهُ دَمُ الْإِسَاءَةِ مع دَمِ التَّمَتُّعِ على الْأَصَحِّ. وقال في الرِّعَايَةِ يُحْرِمُ يوم التَّرْوِيَةِ أو غَيْرَهُ فَإِنْ أَحْرَمَ في غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَتَقَدَّمَ في بَابِ الْإِحْرَامِ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ لم يَحِلَّ وَيُحْرِمُ بِالْحَجِّ بَعْدَ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ. وَيُسْتَثْنَى من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ الْمُتَمَتِّعُ إذَا لم يَجِدْ الْهَدْيَ وَصَامَ فإنه يُحْرِمُ يوم السَّابِعِ على ما تَقَدَّمَ في بَابِ الْفِدْيَةِ فيعايى بها.
فائدتان: إحْدَاهُمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْعَلَ عِنْدَ إحْرَامِهِ هذا ما يَفْعَلُهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ من الْمِيقَاتِ من الْغُسْلِ وَالتَّنْظِيفِ وَالتَّجَرُّدِ عن الْمَخِيطِ وَيَطُوفُ سَبْعًا وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُحْرِمُ. الثَّانِيَةُ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ لَا يَطُوفُ بَعْدَهُ قبل خُرُوجِهِ لِوَدَاعِ الْبَيْتِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَنَقَل ابن مَنْصُورٍ وأبو دَاوُد لَا يَخْرُجُ حتى يُوَدِّعَهُ وَطَوَافُهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ من مِنًى لِلْحَجِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَاضِحِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ رِوَايَتَيْنِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ لو أتى بِهِ وَسَعَى بَعْدَهُ لم يُجْزِهِ عن السَّعْيِ الْوَاجِبِ. قَوْلُهُ من مَكَّةَ وَمِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ من الْحَرَمِ جَازَ. الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْرِمَ من مَكَّةَ بِلَا نِزَاعٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تَرْجِيحَ لِمَكَانٍ على غَيْرِهِ وَنَقَلَ حَرْبٌ يُحْرِمُ من الْمَسْجِدِ قال في الْفُرُوعِ ولم أَجِدْ عنه خِلَافَهُ ولم يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ إلَّا في الْإِيضَاحِ فإنه قال يُحْرِمُ بِهِ من تَحْتِ الْمِيزَابِ. قُلْت وَكَذَا قال في الْمُبْهِجِ وَتَقَدَّمَ ذلك في الْمَوَاقِيتِ. قَوْلُهُ وَمِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ من الْحَرَمِ جَازَ. يَجُوزُ الْإِحْرَامُ من جَمِيعِ بِقَاعِ الْحَرَمِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وابن مَنْصُورٍ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ مِيقَاتُ حَجِّهِ من مَكَّةَ فَقَطْ فَيَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ منها. قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ في بَابِ الْمَوَاقِيتِ وَمَنْ بِمَكَّةَ فَمِيقَاتُهُ لِحَجِّهِ منها نَصَّ عليه وَقِيلَ من الْحَرَمِ.
تنبيه: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لو أَحْرَمَ بِهِ من الْحِلِّ لَا يَجُوزُ فَيَكُونُ الْإِحْرَامُ من الْحَرَمِ وَاجِبًا فَلَوْ أَحَلَّ بِهِ كان عليه دَمٌ وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وقال إنْ مَرَّ من الْحَرَمِ قبل مُضِيِّهِ إلَى عَرَفَةَ فَلَا دَمَ عليه وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَيَصِحُّ وَلَا دَمَ عليه نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وابن مَنْصُورٍ وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ كما تَقَدَّمَ فِيمَنْ أَحْرَمَ من الْحَرَمِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ في وُجُوبِ الدَّمِ وَتَقَدَّمَ ذلك بِأَتَمَّ من هذا في بَابِ الْمَوَاقِيتِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَأَهْلُ مَكَّةَ إذَا أَرَادُوا الْحَجَّ فَمِنْ مَكَّةَ.
تنبيهان: أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى مِنًى. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُ قبل الزَّوَالِ وَأَنْ يُصَلِّيَ بها خَمْسَ صَلَوَاتٍ نَصَّ عليه. الثَّانِي ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَخْطُبُ يوم السَّابِعِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِمَكَّةَ وهو صَحِيحٌ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ أَنَّهُ يَخْطُبُ وَيُعْلِمُهُمْ ما يَفْعَلُونَ يوم التَّرْوِيَةِ. قَوْلُهُ فإذا طَلَعَتْ الشَّمْسُ سَارَ إلَى عَرَفَةَ فَأَقَامَ بِنَمِرَةَ حتى تَزُولَ الشَّمْسُ. الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْأَوْلَى أَنَّهُ يُقِيمُ بِنَمِرَةَ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ. وقال من ذَكَرَ الْخِلَافَ غير صَاحِبِ الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَقِيلَ يُقِيمُ بِعَرَفَةَ وقال في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وقال يُقِيمُ بِعُرَنَةَ بِالنُّونِ قبل أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَةَ. قُلْت وقد يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَرَفَةُ تصحيف [تصحيفا] من عُرَنَةَ. وقال الزَّرْكَشِيُّ نَمِرَةُ مَوْضِعٌ بِعَرَفَةَ وهو الْجَبَلُ الذي عليه أَنْصَابُ الْحَرَمِ على يَمِينِك إذَا خَرَجَتْ من مَأْزِمَيْ عَرَفَةَ تُرِيدُ الْمَوْقِفَ قَالَه ابن المنذر وقال وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ قَوْلَ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ أَقَامَ بِنَمِرَةَ وَقِيلَ بِعَرَفَةَ ليس بِجَيِّدٍ إذْ نَمِرَةُ من عَرَفَةَ انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ لم يَطَّلِعْ على كَلَامِ من قَبْلَهُ. وقال في الْخُلَاصَةِ أَقَامَ بِنَمِرَةَ أو بِعَرَفَةَ وقال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ يُقِيمُ بِنَمِرَةَ وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ بِعَرَنَةْ. وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بَعْدَ أَنَّ قَدَّمَ الْأَوَّلَ وَقِيلَ يُقِيمُ بِبَطْنِ نَمِرَةَ وَقِيلَ بعرنة [بعرفة] وَقِيلَ بِوَادِيهَا انْتَهَى.
فائدتان: إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ ثُمَّ يَخْطُبُ الْإِمَامُ خُطْبَةً يُعْلِمُهُمْ فيها الْوُقُوفَ وَوَقْتَهُ وَالدَّفْعَ منه وَالْمَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةَ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ يُقَصِّرُهَا وَيَفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ قَالَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ. الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ ثُمَّ يَنْزِلُ فيصلى بِهِمْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ. وَكَذَا يُسْتَحَبُّ لِغَيْرِهِ وَلَوْ مُنْفَرِدًا نَصَّ عليه وَيَأْتِي هذا في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في الْجَمْعِ بِمُزْدَلِفَةَ. وقد تَقَدَّمَ هل يُشْرَعُ الْأَذَانُ في الْجَمْعِ في بَابِ الْأَذَانِ وَتَقَدَّمَ في الْجَمْعِ هل يَجْمَعُ أَهْلُ مَكَّةَ وَيَقْصُرُونَ أَمْ لَا. قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ وَجَبَلِ الرَّحْمَةِ رَاكِبًا. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ الرَّاجِلُ أَفْضَلُ اخْتَارَه ابن عقيل وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وقال نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْحَارِثِ انْتَهَى. وَقِيلَ الْكُلُّ سَوَاءٌ وهو احْتِمَالٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ. وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ عن الْجَوَابِ وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُهُ رَاكِبًا ذَكَرَهَا في الرِّعَايَةِ.
فائدة: قال في الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ فَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُ الْحَجِّ عَلَيْهِمَا يَعْنِي هل الْحَجُّ مَاشِيًا أَفْضَلُ أو رَاكِبًا أو هُمَا سَوَاءٌ. وقال أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ وأبو يَعْلَى الصَّغِيرُ في مُفْرَدَاتِهِ الْمَشْيُ أَفْضَلُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ بن الْجَوْزِيِّ فإنه ذَكَرَ الْأَخْبَارَ في ذلك وَعَنْ جَمَاعَةٍ من الْعُبَّادِ وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ أَنَّ ذلك يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الناس وَنَصُّهُ صَرِيحٌ في مَرِيضٍ بِحَجَّةٍ يُحَجُّ عنه رَاجِلًا أو رَاكِبًا.
تنبيه: قَوْلُهُ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ وَجَبَلِ الرَّحْمَةِ هَكَذَا قال الْأَصْحَابُ وقال في الْفَائِقِ قُلْت الْمُسِنُّونَ تحري مَوْقِفَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم يَثْبُتْ في جَبَلِ الرَّحْمَةِ دَلِيلٌ انْتَهَى. قَوْلُهُ وَوَقَّتَ الْوُقُوفَ من طُلُوعِ الْفَجْرِ يوم عَرَفَةَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ يوم النَّحْرِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ. وقال ابن بَطَّةَ وأبو حَفْصٍ وَقَّتَ الْوُقُوفَ من الزَّوَالِ يوم عَرَفَةَ وَحَكَى رِوَايَةً. قال في الْفَائِقِ وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ وَحَكَاه ابن عبد البر إجْمَاعًا.
تنبيه: مَفْهُومُ قَوْلِهِ فَمَنْ حَصَلَ بِعَرَفَةَ في شَيْءٍ من هذا الْوَقْتِ وهو عَاقِلٌ تَمَّ حَجَّهُ وَمَنْ فَاتَهُ ذلك فَاتَهُ الْحَجُّ. أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوُقُوفُ من الْمَجْنُونِ وهو صَحِيحٌ وَلَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا وَكَذَا لَا يَصِحُّ وُقُوفُ السَّكْرَانِ وَالْمُغْمَى عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا كَإِحْرَامٍ وَطَوَافٍ بِلَا نِزَاعٍ فِيهِمَا وَقِيلَ يَصِحُّ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَيَدْخُلُ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَعْنِي في قَوْلِهِ وهو عَاقِلٌ النَّائِمُ وَالْجَاهِلُ بها وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ. قال في الْفُرُوعِ وَيَصِحُّ مع نَوْمٍ وَجَهْلٍ بها في الْأَصَحِّ قال في الْفَائِقِ يَصِحُّ من النَّائِمِ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْجَاهِلِ بها وَصَحَّحَهُ في التَّلْخِيصِ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ في النَّائِمِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ فِيهِمَا. وَقِيلَ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا وَقَدَّمَهُ في شَرْحِ الْمَنَاسِكِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْأَظْهَرُ صِحَّتُهُ مع النَّوْمِ دُونَ الْإِغْمَاءِ وَالْجَهْلِ وقال أبو بَكْرٍ في ال تنبيه: لَا يَصِحُّ مع الْجَهْلِ بها وَتَبِعَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَاقْتَصَرَ عليه. قَوْلُهُ وَمَنْ فَاتَهُ ذلك فَاتَهُ الْحَجُّ بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ وَمَنْ وَقَفَ بها وَدَفَعَ قبل غُرُوبِ الشَّمْسِ فَعَلَيْهِ دَمٌ. هذا الْمَذْهَب وَعَلَيْهِ الْأَصْحَاب وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ لَا دَمَ عليه كَوَاقِفٍ لَيْلًا وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ فِيمَنْ نَسِيَ نَفَقَتَهُ بِمِنًى وهو بِعَرَفَةَ يُخْبِرُ الْإِمَامَ فإذا أَذِنَ له ذَهَبَ وَلَا يَرْجِعُ. قال الْقَاضِي فَرُخِّصَ له لِلْعُذْرِ. وَعَنْهُ يَلْزَمُ من دَفَعَ قبل الْإِمَامِ دَمٌ وَلَوْ كان بَعْدَ الْغُرُوبِ.
تنبيه: مَحَلُّ وُجُوبِ الدَّمِ إذَا لم يَعُدْ إلَى الْمَوْقِفِ قبل الْغُرُوبِ وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وقال في الْإِيضَاحِ فلم يَعُدْ إلَى الْمَوْقِفِ قبل الْفَجْرِ وَقَالَه ابن عقيل في. مُفْرَدَاتِهِ فَإِنْ عَادَ إلَى الْمَوْقِفِ قبل [بعد] الْغُرُوبِ أو قبل الْفَجْرِ عِنْدَ من يقول بِهِ فَلَا دَمَ عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ عليه دَمٌ وَلَوْ عَادَ مُطْلَقًا وفي الْوَاضِحِ وَلَا عُذْرَ.
فائدتان: إحْدَاهُمَا يُسْتَحَبّ الدَّفْعُ مع الْإِمَامِ فَلَوْ دَفَعَ قَبْلَهُ تَرَكَ السُّنَّةَ وَلَا شَيْءَ عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ وَاجِبٌ وَعَلَيْهِ بِتَرْكِهِ دَمٌ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. وَيَأْتِي ذلك في الْوَاجِبَاتِ. الثَّانِيَةُ لو خَافَ فَوْتَ الْوُقُوفِ إنْ صلى صَلَاةَ آمِنٍ فَقِيلَ يُصَلِّي صَلَاةَ خَائِفٍ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قُلْت وهو الصَّوَابُ. وَقِيلَ يُقَدِّمُ الصَّلَاةَ وَلَوْ فَاتَ الْوُقُوفَ. قُلْت وَفِيهِ بُعْدٌ وَإِنْ كان ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ. وَقِيلَ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ إلَى أَمْنِهِ وهو احْتِمَالٌ في مُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ وَالْأَوَّلَانِ احْتِمَالَانِ في الرِّعَايَةِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وابن تَمِيمٍ وَتَقَدَّمَ ذلك في آخِرِ صَلَاةِ أَهْلِ الْأَعْذَارِ. قَوْلُهُ وَإِنْ وَافَاهَا لَيْلًا فَوَقَفَ بها فَلَا دَمَ عليه بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ ثُمَّ يَدْفَعُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى مُزْدَلِفَةَ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ قال أبو حَكِيمٍ وَيَكُونُ مُسْتَغْفِرًا. قَوْلُهُ يَبِيتُ بها فَإِنْ دَفَعَ قبل نِصْفِ اللَّيْلِ يَعْنِي من مُزْدَلِفَةَ فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ لَا يَجِبُ كَرُعَاةٍ وَسُقَاةٍ قَالَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ. وقال في الْفَرْعِ وَيَتَخَرَّجُ لَا دَمَ عليه من لَيَالِي مِنًى قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ.
تنبيه: وُجُوبُ الدَّمِ هُنَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لم يَعُدْ إلَيْهَا لَيْلًا فَإِنْ عَادَ إلَيْهَا لَيْلًا فَلَا دَمَ عليه نَصَّ عليه. قَوْلُهُ وَإِنْ دَفَعَ بَعْدَهُ فَلَا شَيْءَ عليه وَإِنْ وَافَاهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَلَا شَيْءَ عليه وَإِنْ جاء بَعْدَ الْفَجْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ. بِلَا نِزَاعٍ في ذلك. قَوْلُهُ وَيَأْخُذُ حَصَى الْجِمَارِ من طَرِيقِهِ أو من مُزْدَلِفَةَ أو من حَيْثُ أَخَذَهُ جَازَ. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لَكِنْ اسْتَحَبَّ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَخْذَهُ قبل وُصُولِهِ مِنًى وَيُكْرَهُ من الْحَرَمِ وَتَكْسِيرُهُ أَيْضًا قال في الْفُصُولِ وَمِنْ الْحَشِّ. قَوْلُهُ وَيَكُونُ أَكْبَرَ من الْحِمَّصِ وَدُونَ الْبُنْدُقِ فَيَكُونُ قَدْرَ حَصَى الْخَذْفِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ. وَقِيلَ يُجْزِئُ حَجَرٌ صَغِيرٌ وَكَبِيرٌ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَالْفَائِقُ وَغَيْرُهُمْ قال بَعْضُ الْأَصْحَابِ يُجْزِئُهُ الرَّمْي بِالْكَبِيرِ مع تَرْكِ السُّنَّةِ. قال في الْفَائِقِ وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُهُ نَصَّ عليه قال الزَّرْكَشِيُّ فَإِنْ خَالَفَ. وَرَمَى بِحَجَرٍ كَبِيرٍ أَجْزَأَهُ على الْمَشْهُورِ لِوُجُودِ الْحَجَرِيَّةِ وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُهُ وَكَذَا الْقَوْلَانِ في الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ وَعَدَدُهُ سَبْعُونَ حَصَاةً. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فَيَرْمِي كُلَّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ على ما يَأْتِي بَيَانُهُ. وَعَنْهُ عَدَدُهُ سِتُّونَ حَصَاةً فَيَرْمِي كُلَّ جَمْرَةٍ بِسِتَّةٍ. وَعَنْهُ عَدَدُهُ خَمْسُونَ حَصَاةً فَيَرْمِي كُلَّ جَمْرَةٍ بِخَمْسَةٍ. وَيَأْتِي ذلك أَيْضًا في أَثْنَاءِ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ وفي عَدَدِ الْحَصَى رِوَايَتَانِ.
تنبيه: ظَاهِرُ قَوْلِهِ بَدَأَ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ. أَنَّهُ لو رَمَاهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً لم يَصِحَّ وهو صَحِيحٌ وَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ حَصَاةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا وَيُؤَدَّبُ على هذه الْغَفْلَةِ نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
فوائد: منها يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ حُصُولَ الْحَصَى في الْمَرْمَى على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَكْفِي ظَنُّهُ جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ وَذَكَرَ بن الْبَنَّا رِوَايَةً في الْخِصَالِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ مع الشَّكِّ أَيْضًا وهو وَجْهٌ أَيْضًا في الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ. وَمِنْهَا لو وَضَعَهَا بيده في الْمَرْمَى لم يُجْزِهِ قَوْلًا وَاحِدًا. وَمِنْهَا لو طَرَحَهَا في الْمَرْمَى طَرْحًا أَجْزَأَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ الْفُصُولِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لم يَرْمِ بها. وَمِنْهَا لو رَمَى حَصَاةً فَالْتَقَطَهَا طَائِرٌ قبل وُصُولِهَا لم يُجْزِهِ. قُلْت وَعَلَى قِيَاسِهِ لو رَمَاهَا فَذَهَبَ بها رِيحٌ عن الْمَرْمَى قبل وُصُولِهَا إلَيْهِ. وَمِنْهَا لو رَمَاهَا فَوَقَعَتْ في مَوْضِعٍ صُلْبٍ في غَيْرِ الْمَرْمَى ثُمَّ تَدَحْرَجَتْ إلَى الْمَرْمَى أو وَقَعَتْ على ثَوْبِ إنْسَانٍ ثُمَّ طَارَتْ فَوَقَعَتْ في الْمَرْمَى أَجْزَأَتْهُ. وَمِنْهَا لو نَفَضَهَا من وَقَعَتْ على ثَوْبِهِ فَوَقَعَتْ في الْمَرْمَى أَجْزَأَتْهُ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْمُذْهَبِ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وقال ابن عَقِيلٍ لَا تُجْزِئُهُ لِأَنَّ حُصُولَهَا في الْمَرْمَى بِفِعْلِ الثَّانِي قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ. قُلْت وهو الصَّوَابُ وَظَاهِرُ الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ. قَوْلُهُ وَيُكَبِّرُ مع كل حَصَاةٍ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قال في التَّلْخِيصِ يُكَبِّرُ بَدَلًا عن التَّلْبِيَةِ وَنَقَلَ حَرْبٌ يَرْمِي ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْحَاوِيَيْنِ يُكَبِّرُ مع كل حَصَاةٍ وَيَقُولُ أرضى الرَّحْمَنَ وَأُسْخِطُ الشَّيْطَانَ. قَوْلُهُ وَيَرْفَعُ يَدَهُ يَعْنِي الرَّامِيَ بها وَهِيَ الْيُمْنَى حتى يُرَى بَيَاضُ إبْطِهِ. ذَكَرَ ذلك أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ولم يَذْكُرْهُ آخَرُونَ.
فائدتان: إحْدَاهُمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَبْطِنَ الْوَادِيَ فَيَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ كما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذلك أو يَرْمِيَ على جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ وَلَهُ رَمْيُهَا من فَوْقِهَا. الثَّانِيَةُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْمِيَهَا وهو مَاشٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ. عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ. قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ يَرْمِيهَا مَاشِيًا. وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا يَرْمِيهَا رَاجِلًا وَرَاكِبًا وَكَيْفَمَا شَاءَ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم رَمَاهَا وهو على رَاحِلَتِهِ وَكَذَلِكَ بن عَمْرٍو وَكَذَلِكَ بن عُمَرَ رَمْيًا سَائِرَهَا مَاشِيَيْنِ. وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وفي هذا بَيَانٌ لِلتَّفْرِيقِ بين هذه الْجَمْرَةِ وَغَيْرِهَا وَمَالَا إلَى أَنْ يَرْمِيَهُمَا رَاكِبًا قال في الْفُرُوعِ يَرْمِيهِمَا رَاكِبًا إنْ كان وَالْأَكْثَرُ مَاشِيًا نَصَّ عليه. قَوْلُهُ وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ مع ابْتِدَاءِ الرَّمْيِ. هَكَذَا قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ يُلَبِّي حتى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ أَوَّلِ حَصَاةٍ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وابن مَنْجَا في شَرْحِهِ وَالْهِدَايَةُ وَالْمُذْهَبَ وَمَسْبُوكُ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبُ وَالْخُلَاصَةُ وَالْوَجِيزُ وَغَيْرُهُمْ. وقال ابن نَصْرِ اللَّهِ في حَوَاشِي الْفُرُوعِ وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ عن أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ حتى يَفْرُغَ من جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ. وَتَقَدَّمَ آخِرَ الْبَابِ الذي قَبْلَهُ وَقْتُ قَطْعِ التَّلْبِيَةِ إذَا كان مُتَمَتِّعًا. قَوْلُهُ فَإِنْ رَمَى بِذَهَبٍ أو فِضَّةٍ أو بِحَصًى أو بِحَجَرٍ قد رَمَى بِهِ لم يُجْزِهِ. إذَا رَمَى بِذَهَبٍ أو فِضَّةٍ لم يُجْزِهِ قَوْلًا وَاحِدًا وإذا رَمَى بِغَيْرِ الْحَصَى لم يُجْزِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ فَلَا يُجْزِئُ بِالْكُحْلِ وَالْجَوَاهِرِ الْمُنْطَبِعَةِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ وَنَحْوِهِ. وَعَنْهُ يُجْزِئُهُ بِغَيْرِهِ مع الْكَرَاهَةِ وَعَنْهُ إنْ كان بِغَيْرِ قَصْدٍ أَجْزَأَهُ.
تنبيه: شَمَلَ قَوْلُهُ الْحَصَى الْحَصَى الْأَبْيَضَ وَالْأَسْوَدَ وَالْكِدَانَ وَالْأَحْمَرَ من الْمَرْمَرِ وَالْبِرَامِ وَالْمَرْوِ وهو الصِّوَانُ وَالرُّخَامِ وَحَجَرِ الْمِسَنِّ وهو الصَّحِيحُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وابن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وهو الصَّوَابُ وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ غَيْرُ الْحَجَرِ الْمَعْهُودِ فَلَا يُجْزِئُ الرَّمْيُ بِحَجَرِ الْكُحْلِ وَالْبِرَامِ وَالرُّخَامِ وَالْمِسَنِّ وَنَحْوِهَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وقال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. قُلْت جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. وقال في الْفُصُولِ إنْ رَمَى بِحَصَى الْمَسْجِدِ كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ لِأَنَّ الشَّرْعَ نهى عن إخْرَاجِ تُرَابِهِ قال في الْفُرُوعِ فَدَلَّ على أَنَّهُ لو تَيَمَّمَ أَجْزَأَ وَأَنَّهُ يَلْزَمُ من مَنْعِهِ الْمَنْعُ هُنَا وَأَمَّا إذَا رَمَى بِمَا رَمَى بِهِ فإنه لَا يُجْزِئُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ يُجْزِئُ وَاخْتَارَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وقال في التَّصْحِيحِ يُكْرَهُ الرَّمْيُ من الْجِمَارِ أو من حَصَى الْمَسْجِدِ أو مَكَان نَجِسٍ.
فوائد: الْأَوْلَى لَا يُجْزِئُ الرَّمْيُ بِحَصًى نَجِسٍ على الصَّحِيحِ اخْتَارَه ابن عبدوس في تَذْكِرَتِهِ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ولا يُجْزِئُ بِنَجَسٍ في الْأَصَحِّ قال في الْفَائِقِ وفي الْإِجْزَاءِ بِنَجَسٍ وَجْهٌ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُقَدَّمَ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُجْزِئُ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وهو الْمَذْهَبُ على ما اصْطَلَحْنَاهُ. وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْحَاوِيَيْنِ. الثَّانِيَةُ لو رَمَى بِخَاتَمِ فِضَّةٍ فيه حَجَرٌ فَفِي الْإِجْزَاءِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا لَا يُجْزِئُ لِأَنَّ الْحَجَرَ تَبَعٌ. قُلْت وهو الصَّوَابُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُجْزِئُ وَصَحَّحَهُ في الْفُصُولِ. الثَّالِثَةُ لَا يُسْتَحَبُّ غَسْلُ الْحَصَى على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يُسْتَحَبُّ صَحَّحَهُ في الْفُصُولِ وَالْخُلَاصَةِ وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وابن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَشَرْح ابن رَزِينٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيِّ. قَوْلُهُ وَيَرْمِي بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. بِلَا نِزَاعٍ وهو الْوَقْتُ الْمُسْتَحَبُّ لِلرَّمْيِ. فَإِنْ رَمَى بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَجْزَأَهُ. وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ. وقال ابن عَقِيلٍ نَصُّهُ لِلرُّعَاةِ خَاصَّةً الرَّمْيُ لَيْلًا نَقَلَه ابن مَنْصُورٍ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُسَنُّ رَمْيُهَا بَعْدَ الزَّوَالِ. قُلْت وَهَذَا ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِفِعْلِهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ.
فائدة: إذَا لم يَرْمِ حتى غَرَبَتْ الشَّمْسُ لم يَرْمِ إلَّا من الْغَدِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَا يَقِفُ. قَوْلُهُ ثُمَّ يَحْلِقُ أو يُقَصِّرُ من جَمِيعِ شَعْرِهِ. إنْ حَلَقَ رَأْسَهُ اُسْتُحِبَّ له أَنْ يَبْدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ بِالْأَيْسَرِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ وَيَدْعُو وَقْتَ الْحَلْقِ. وقال الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ يُكَبِّرُ وَقْتَ الْحَلْقِ لِأَنَّهُ نُسُكٌ.
فائدة: الْأُولَى أَنْ لَا يُشَارِطَ الْحَلَّاقَ على أُجْرَتِهِ لِأَنَّهُ نُسُكٌ قَالَهُ أبو حَكِيمٍ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ قال أبو حَكِيمٍ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. وَأَمَّا إنْ قَصَّرَ فَيَكُونُ من جَمِيعِ رَأْسِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا من كل شَعْرَةٍ. قُلْت هذا لَا يُعْدَلُ عنه وَلَا يَسْمَعُ الناس غَيْرَهُ وتقير [وتقصير] كل شَعْرَةٍ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى وَلَا شَعْرَةٌ مُشْقٍ جِدًّا. قال الزَّرْكَشِيُّ لَا يَجِبُ التَّقْصِيرُ من كل شَعْرَةٍ لِأَنَّ ذلك لَا يُعْلَمُ إلَّا بِحَلْقِهِ. وَعَنْهُ يُجْزِئُ حَلْقُ بَعْضِهِ وَكَذَا تَقْصِيرُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْفُرُوعِ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ في التَّقْصِيرِ فَقَطْ. فَعَلَى هذه الرِّوَايَةِ يُجْزِئُ تَقْصِيرُ ما نَزَلَ عن رَأْسِهِ لِأَنَّهُ من شَعْرِهِ بِخِلَافِ الْمَسْحِ لِأَنَّهُ ليس رَأْسًا ذَكَرَهُ في الْخِلَافِ في الْفُصُولِ.
تنبيه: شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الشَّعْرَ الْمَضْفُورَ وَالْمَعْقُوصَ وَالْمُلَبَّدَ وَغَيْرَهَا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ. وَنَقَل ابن مَنْصُورٍ في الْمُلَبَّدِ وَالْمَضْفُورِ وَالْمَعْقُوصِ لِيَحْلِقَ. قال الْقَاضِي في الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّقْصِيرُ منه كُلِّهِ. قُلْت حَيْثُ امْتَنَعَ التَّقْصِيرُ منه كُلِّهِ على الْقَوْلِ بِهِ تَعَيَّنَ الْحَلْقُ وَلِهَذَا قال في الْفَائِقِ وَلَوْ كان مُلَبَّدًا تَعَيَّنَ الْحَلْقُ في الْمَنْصُوصِ وقال الشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ لَا يَتَعَيَّنُ وَاخْتَارَهُ الشَّارِحُ وقال الْخِرَقِيُّ في الْعَبْدِ يُقَصِّرُ قال جَمَاعَةٌ من شُرَّاحِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَحْلِقُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ يَزِيدُ في قِيمَتِهِ منهم الزَّرْكَشِيُّ قال في الْوَجِيزِ وَيُقَصِّرُ الْعَبْدُ قَدْرَ أُنْمُلَةٍ وَلَا يَحْلِقُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. قَوْلُهُ وَالْمَرْأَةُ تُقَصِّرُ من شَعْرِهَا قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ. يَعْنِي فَأَقَلَّ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وقال ابن الزَّاغُونِيِّ في مَنْسَكِهِ يَجِبُ تَقْصِيرُ قَدْرِ الْأُنْمُلَةِ قال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ الْمُسِنَّةُ لها أُنْمُلَةٌ وَيَجُوزُ أَقَلُّ منها.
فائدتان: إحْدَاهُمَا يُسْتَحَبُّ له أَيْضًا أَخْذُ أَظْفَارِهِ وَشَارِبِهِ وقال ابن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَلِحْيَتِهِ. الثَّانِيَةُ لو عَدِمَ الشَّعْرَ اُسْتُحِبَّ له إمْرَارُ الْمُوسَى قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَقَالَهُ أبو حَكِيمٍ في خِتَانِهِ. قُلْت وفي النَّفْسِ من ذلك شَيْءٌ وهو قَرِيبٌ من الْعَبَثِ. وقال الْقَاضِي يَأْخُذُ من شَارِبِهِ عن حَلْقِ رَأْسِهِ ذَكَرَهُ في الْفَائِقِ. قَوْلُهُ ثُمَّ حَلَّ له كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ. هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه في رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال الْقَاضِي وَابْنُهُ وابن الزَّاغُونِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَجَمَاعَةٌ إلَّا النِّسَاءَ وَعَقَدَ النِّكَاحَ. قال ابن نَصْرِ اللَّهِ في حَوَاشِيهِ وهو الصَّحِيحُ. فَظَاهِرُ كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ وابن شِهَابٍ وابن الْجَوْزِيِّ حِلُّ الْعَقْدِ وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَذَكَرَهُ عن أَحْمَدَ وَعَنْهُ إلَّا الْوَطْءَ في الْفَرَجِ. قَوْلُهُ وَالْحِلَاقُ وَالتَّقْصِيرُ نُسُكٌ. هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ فَيَلْزَمُهُ في تَرْكِهِ دَمٌ. قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هُمَا نُسُكٌ في الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. قال في الْكَافِي هذا أَصَحُّ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ من الرِّوَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ إطْلَاقٌ من مَحْظُورٍ لَا شَيْءَ في تَرْكِهِ وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِالرَّمْيِ وَحْدَهُ قَدَّمَه ابن رزين في شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالْحَاوِيَيْنِ. وَنَقَلَ مُهَنَّا في مُعْتَمِرٍ تَرَكَ الْحِلَاقَ وَالتَّقْصِيرَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ الدَّمُ كَثِيرٌ عليه أَقَلُّ من دَمٍ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِعْلُ أَحَدِهِمَا وَاجِبٌ وَعَلَى الثَّانِي غَيْرُ وَاجِبٍ. قَوْلُهُ إنْ أَخَّرَهُ عن أَيَّامِ مِنًى فَهَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ على رِوَايَتَيْنِ. يَعْنِي إذَا قُلْنَا إنَّهُمَا نُسُكٌ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا لَا دَمَ عليه وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَاخْتَارَه ابن عبدوس في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ قال ابن مَنْجَا في شَرْحِهِ وهو أَوْلَى. الْوَجْهُ الثَّانِي عليه دَمٌ بِالتَّأْخِيرِ.
تنبيه: قَوْلُهُ وَإِنْ أَخَّرَهُ عن أَيَّامِ مِنًى الصَّحِيحُ أَنَّ مَحَلَّ الرِّوَايَتَيْنِ إذَا أَخْرَجَهُ عن أَيَّامِ مِنًى كما قال الْمُصَنِّفُ هُنَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ إنْ أَخَّرَهُ. عن أَيَّامِ النَّحْرِ فَمَحَلُّ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَهُمَا إنْ أَخَّرَهُ عن الْيَوْمِ الثَّانِي من أَيَّامِ مِنًى وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي.
تنبيه: قَوْلُهُ بَعْدَ الرِّوَايَةِ وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِالرَّمْيِ وَحْدَهُ. يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ من تَتِمَّةِ الرِّوَايَةِ فَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِالرَّمْيِ وَحْدَهُ على قَوْلِنَا الْحِلَاقُ إطْلَاقٌ من مَحْظُورٍ لَا على قَوْلِنَا هو نُسُكٌ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ قَبْلُ ثُمَّ قد حَلَّ له كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ التَّحَلُّلَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالرَّمْيِ وَالْحَلْقِ مَعًا لِأَنَّهُ ذَكَرَ التَّحَلُّلَ بِلَفْظِ ثُمَّ بَعْدَ ذِكْرِ الْحَلْقِ وَالرَّمْيِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَلَامٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ وَأَنَّ التَّحَلُّلَ يَحْصُلُ بِالرَّمْيِ وَحْدَهُ وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّحَلُّلَ الْأَوَّلَ يَحْصُلُ بِالرَّمْيِ وَحْدَهُ أو يُحَصِّلُهَا اثْنَيْنِ من ثَلَاثَةٍ وَهِيَ الرَّمْيُ وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ فيه رِوَايَتَانِ عن أَحْمَدَ. إحْدَاهُمَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِفِعْلِ اثْنَيْنِ من الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الثَّانِي بِالثَّالِثِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ. قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قال في الْكَافِي اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا وهو مُوَافِقٌ لِلِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِوَاحِدٍ من رَمْيٍ وَطَوَافٍ وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الثَّانِي بِالْبَاقِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالشَّرْحِ وَشَرْح ابن مَنْجَا وَغَيْرِهِمْ. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ الْحَلْقُ إطْلَاقٌ منى مَحْظُورٍ على الصَّحِيحِ. وقال الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ بَلْ نُسُكٌ كَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَالرَّمْيِ في الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ وَيَحِلُّ قَبْلَهُ. قال ابن مَنْجَا فيه نَظَرٌ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ على الْقَوْلِ بِأَنَّهُ نُسُكٌ في جَوَازِ حِلِّهِ قَبْلَهُ رِوَايَتَانِ. وفي مَنْسَكِ بن الزَّاغُونِيِّ وَإِنْ كان سَاقَ هَدْيًا وَاجِبًا لم يَحِلَّ هذا التَّحَلُّلَ إلَّا بَعْدَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ وَالنَّحْرِ وَالطَّوَافِ فَيَحِلُّ من الْكُلِّ وهو التَّحَلُّلُ الثَّانِي. قَوْلُهُ وَإِنْ قَدَّمَ الْحَلْقَ على الرَّمْيِ أو النَّحْرِ جَاهِلًا أو نَاسِيًا فَلَا شَيْءَ عليه. وكذا لو طَافَ لِلزِّيَارَةِ أو نَحَرَ قبل رَمْيِهِ. وَإِنْ كان عَالِمًا فَهَلْ عليه دَمٌ على رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا لَا دَمَ عليه وَلَكِنْ يُكْرَهُ فِعْلُ ذلك وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَه ابن عبدوس في تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عليه دَمٌ نَقَلَهَا أبو طَالِبٍ وَغَيْرُهُ وَأَطْلَقَ بن عَقِيلٍ هذه الرِّوَايَةَ. فَظَاهِرُهَا يَلْزَمُ الْجَاهِلَ وَالنَّاسِيَ دَمٌ أَيْضًا وَظَاهِرُ نَقْلِ الْمَرُّوذِيِّ يَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ. قَوْلُهُ ثُمَّ يَخْطُبُ الْإِمَامُ خُطْبَةً. يَعْنِي يَخْطُبُ يوم النَّحْرِ بِمِنًى خُطْبَةً يُعْلِمُهُمْ فيها النَّحْرَ وَالْإِفَاضَةَ وَالرَّمْيَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمَا قال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ تَكُونُ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ. قُلْت الْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ بُكْرَةً في أَوَّلِ النَّهَارِ حتى يُعَلِّمَهُمْ الرَّمْيَ وَالنَّحْرَ وَالْإِفَاضَةَ. وَعَنْهُ لَا يَخْطُبُ نَصَرَهُ الْقَاضِي قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَخْطُبُ يَوْمَئِذٍ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْوَجِيزِ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ.
فائدة: قال في الرِّعَايَةِ يَفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ.
فائدة: أُخْرَى إذَا أتى الْمُتَمَتِّعُ مَكَّةَ طَافَ لِلْقُدُومِ نَصَّ عليه كَعُمْرَتِهِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَكَذَا الْمُفْرِدُ وَالْقَارِنُ نَصَّ عليه ما لم يَكُونَا دَخَلَا مَكَّةَ قبل يَوْمِ النَّحْرِ وَلَا طَافَا طَوَافَ الْقُدُومِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ لَا يَطُوفُ لِلْقُدُومِ وَاحِدٌ منهم اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَرَدَ الْأَوَّلُ وقال لَا نَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَبَا عبد اللَّهِ على ذلك. قال في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةَ عَشَرَ وهو الْأَصَحُّ. قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَلَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَمَتِّعِ أَنْ يَطُوفَ طَوَافَ الْقُدُومِ بَعْدَ رُجُوعِهِ من عَرَفَةَ قبل الْإِفَاضَةِ وقال هذا هو الصَّوَابُ. قَوْلُهُ وَوَقْتُهُ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ من لَيْلَةِ النَّحْرِ. يَعْنِي وَقْتُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ وَقْتُهُ من فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ. قَوْلُهُ فَإِنْ أَخَّرَهُ عنه وَعَنْ أَيَّامِ مِنًى جَازَ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ وَلَا يَلْزَمُهُ دَمٌ إذَا أَخَّرَهُ عن يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ مِنًى على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وقال في الْوَاضِحِ عليه دَمٌ إذَا أَخَّرَهُ عن يَوْمِ النَّحْرِ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَخَرَّجَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ رِوَايَةً بِوُجُوبِ الدَّمِ إذَا أَخَّرَهُ عن أَيَّامِ مِنًى.
فائدة: لو أَخَّرَ السَّعْيَ عن أَيَّامِ مِنًى جَازَ وَلَا شَيْءَ عليه. وَوَجْهٌ في الْفُرُوعِ مِمَّا خَرَّجَهُ في الطَّوَافِ مِثْلُهُ في السَّعْيِ. قَوْلُهُ ثُمَّ يَسْعَى بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إنْ كان مُتَمَتِّعًا. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عليه وَعَنْهُ يكتفى بِسَعْيِ عُمْرَتِهِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ. قَوْلُهُ أو لم يَكُنْ سَعَى مع طَوَافِ الْقُدُومِ فَإِنْ كان قد سَعَى لم يَسْعَ. هذا الْمَذْهَبُ وَذَكَرَ في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ رِوَايَةً بِأَنَّ الْقَارِنَ يَلْزَمُهُ سَعْيَانِ سَعْيٌ عِنْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَسَعْيٌ عِنْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ.
فائدتان: إحْدَاهُمَا إذَا قُلْنَا السَّعْيُ في الْحَجِّ رُكْنٌ وَجَبَ عليه فِعْلُهُ بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ إنْ كان مُتَمَتِّعًا أو مُفْرِدًا أو قَارِنًا ولم يَكُنْ سَعَا مع طَوَافِ الْقُدُومِ فَإِنْ فَعَلَهُ قَبْلَهُ عَالِمًا لم يُعْتَدَّ بِهِ وَأَعَادَهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَإِنْ كان نَاسِيًا فَهَلْ يُجْزِئُهُ فيه رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ ذَكَرَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ. وَإِنْ قُلْنَا السَّعْيُ وَاجِبٌ أو سُنَّةٌ فقال في الْفُرُوعِ وَإِنْ قِيلَ السَّعْيُ ليس رُكْنًا قِيلَ سُنَّةٌ وَقِيلَ وَاجِبٌ فَفِي حِلِّهِ قَبْلَهُ وَجْهَانِ. قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَحِلُّ قبل السَّعْيِ لِإِطْلَاقِهِمْ الْإِحْلَالَ بَعْدَ الطَّوَافِ. الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ ثُمَّ قد حَلَّ له كُلُّ شَيْءٍ لَا يَحِلُّ إلَّا بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ. بِلَا نِزَاعٍ فَلَوْ خَرَجَ من مَكَّةَ قبل فِعْلِهِ رَجَعَ حَرَامًا حتى يَطُوفَ وَلَوْ اسْتَمَرَّ بَقِيَ مُحْرِمًا وَيَرْجِعُ مَتَى أَمْكَنَهُ لَا يُجْزِيهِ غَيْرُهُ قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ ثُمَّ يَأْتِي زَمْزَمَ فَيَشْرَبُ منها لِمَا أَحَبَّ وَيَتَضَلَّعُ منه. بِلَا نِزَاعٍ في الْجُمْلَةِ وزاد في التَّبْصِرَةِ وَيَرُشُّ على بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ. قَوْلُهُ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مِنًى وَلَا يَبِيتُ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى. بِلَا نِزَاعٍ في الْجُمْلَةِ وَيَأْتِي في الْوَاجِبَاتِ هل هو وَاجِبٌ أو مُسْتَحَبٌّ. قَوْلُهُ وَيَرْمِي الْجَمَرَاتِ بها في أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ الزَّوَالِ. هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَنَصَّ عليه. قال ابن الْجَوْزِيِّ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ إذَا رَمَى في الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ من أَيَّامِ مِنًى قبل الزَّوَالِ لم يُجْزِهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً فَأَمَّا في الْيَوْمِ الْأَخِيرِ فَيَجُوزُ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ انْتَهَى. قال في الْفُرُوعِ وَجَوَّزَ بن الْجَوْزِيِّ الرَّمْيَ قبل الزَّوَالِ . وقال في الْوَاضِحِ وَيَجُوزُ الرَّمْيُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ إلَّا ثَالِثَ يَوْمٍ وَأَطْلَقَ في مَنْسَكِهِ أَيْضًا أَنَّ له الرَّمْيَ من أَوَّلِ يَوْمٍ وَأَنَّهُ يَرْمِي في الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَالْيَوْمَيْنِ قَبْلَهُ ثُمَّ يَنْفِرُ. وَعَنْهُ يَجُوزُ رَمْيُ مُتَعَجِّلٍ قبل الزَّوَالِ وَيَنْفِرُ بَعْدَهُ. وَنَقَل ابن مَنْصُورٍ إنْ رَمَى عِنْدَ طُلُوعِهَا متعجل [متعجلا] ثُمَّ نَفَرَ كَأَنَّهُ لم يَرَ عليه دَمًا وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ.
فائدة: آخِرُ وَقْتِ رَمْيِ كل يَوْمٍ الْمَغْرِبُ وَيُسْتَحَبُّ الرَّمْيُ قبل صَلَاةِ الظُّهْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ. قَوْلُهُ في الْجَمْرَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ يَقِفُ وَيَدْعُو. هذا بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ قال بَعْضُ الْأَصْحَابِ رَافِعًا يَدَيْهِ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ يُسْتَحَبُّ رَفْعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الْجِمَارِ. قَوْلُهُ ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَيَجْعَلُهَا عن يَمِينِهِ وَيَسْتَبْطِنُ الْوَادِيَ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ في الْجَمَرَاتِ كُلِّهَا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً وقال الزَّرْكَشِيُّ فِيمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ في أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ في جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ نَظَرٌ إذْ ليس في الحديث ذلك. قَوْلُهُ وَالتَّرْتِيبُ شَرْطٌ في الرَّمْيِ. يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَرْمِيَ أَوَّلًا الْجَمْرَةَ التي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ ثُمَّ بَعْدَهَا الْوُسْطَى ثُمَّ الْعَقَبَةَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فَلَوْ نَكَسَ لم يُجْزِهِ وَعَنْهُ يُجْزِيهِ مُطْلَقًا وَعَنْهُ يُجْزِيهِ مع الْجَهْلِ. قَوْلُهُ وفي عَدَدِ الْحَصَى رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا سَبْعٌ. وَهِيَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهَا الْأَصْحَابُ وَالْأُخْرَى يُجْزِيهِ خَمْسٌ. قال في الْمُغْنِي وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْقُصَ عن سَبْعٍ فَإِنْ نَقَصَ حَصَاةً أو حَصَاتَيْنِ فَلَا بَأْسَ وَلَا يَنْقُصُ أَكْثَرَ من ذلك نَصَّ عليه وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ يُجْزِيهِ سِتٌّ وَتَقَدَّمَ ذلك في أَوَّلِ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَعَدَدُهُ سَبْعُونَ حَصَاةً. قَوْلُهُ فَإِنْ أَخَلَّ بِحَصَاةٍ وَاحِدَةٍ من الْأُولَى لم يَصِحَّ رَمْيُ الثَّانِيَةِ. وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يَصِحُّ مع الْجَهْلِ دُونَ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ وَإِنْ أَخَّرَ الرَّمْيَ كُلَّهُ أَيْ مع رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ وَرَمَاهُ في آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَجْزَأَ. بِلَا نِزَاعٍ وَيَكُونَ أَدَاءً على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقَالَهُ الْقَاضِي وَاقْتَصَرَ عليه في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ يَكُونُ قَضَاءً وَكَذَا الْحُكْمُ لو أَخَّرَ رَمْيَ يَوْمٍ إلَى الْغَدِ رَمَى رَمْيَيْنِ نَصَّ عليه وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ وَإِنْ أَخَّرَهُ عن أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أو تَرَكَ الْمَبِيتَ بِمِنًى في لَيَالِيهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ. إذَا أَخَّرَ الرَّمْيَ عن أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَلَا يَأْتِي بِهِ كَالْبَيْتُوتَةِ في مِنًى لَيْلَةً أو أَكْثَرَ. قَوْلُهُ أو تَرَكَ الْمَبِيتَ بِمِنًى في لَيَالِيهَا. فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ عليه دَمًا نَقَلَهُ حَنْبَلٌ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وقال اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَعَنْهُ يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن أَحْمَدَ قَالَهُ الْقَاضِي. وَعَنْهُ لَا شَيْءَ عليه وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ على أَنَّ الْمَبِيتَ ليس بِوَاجِبٍ على ما يَأْتِي في الْوَاجِبَاتِ. قَوْلُهُ وفي حَصَاةٍ أو في لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ ما في حَلْقِ شَعْرَةٍ. إذَا تَرَكَ حَصَاةً وَجَبَ عليه ما يَجِبُ في حَلْقِ شَعْرَةٍ على ما مَضَى في أَوَّلِ بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ قال الْقَاضِي وَظَاهِرُ نَقْلِ الْأَثْرَمِ يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ وَعَنْهُ ذلك في الْعَمْدِ. وَعَنْهُ عليه دَمٌ جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ قال في الْفُرُوعِ وهو خِلَافُ نَقْلِ الْجَمَاعَةِ وَالْأَصْحَابِ قال ابن عَقِيلٍ ضَعَّفَهُ شَيْخُنَا لِعَدَمِ الدَّلِيلِ. وَعَنْهُ لَا شَيْءَ عليه فيها.
فائدة: لو تَرَكَ حَصَاتَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا في الْحَصَاةِ ما في حَلْقِ شَعْرَةٍ فَفِي الْحَصَاتَيْنِ ما في حَلْقِ شَعْرَتَيْنِ وفي ثَلَاثٍ أو أَرْبَعٍ أو خَمْسٍ دَمٌ على ما تَقَدَّمَ من الْخِلَافِ. وَإِنْ قُلْنَا في الْحَصَاةِ دَمٌ فَفِي الْحَصَاتَيْنِ وَالثَّلَاثِ دَمٌ بِطَرِيقِ أَوْلَى. وَعَنْهُ في الْحَصَاتَيْنِ ما في الثَّلَاثِ كَجَمْرَةٍ وَجِمَارٍ. وَعَنْهُ لَا شَيْءَ في تَرْكِ حَصَاتَيْنِ. قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ الظَّاهِرُ عن أَحْمَدَ لَا شَيْءَ في حَصَاةٍ وَلَا حَصَاتَيْنِ. واما إذَا تَرَكَ الْمَبِيتَ بِمِنًى لَيْلَةً وَاحِدَةً فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّ فيها ما في حَلْقِ شعره وهو إحْدَى الرِّوَايَاتِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ نُسُكًا بِمُفْرَدِهَا بِخِلَافِ الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وقال لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ دَمٌ وَجَزَمَ بِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وابن مَنْجَا في شَرْحِهِ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وُجُوبَ الدَّمِ. وَعَنْهُ تَرْكُ لَيْلَةٍ كَتَرْكِ لَيَالِي مِنًى كُلِّهَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. وَعَنْهُ عليه دَمٌ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَعَنْهُ لَا شَيْءَ عليه.
فائدة: قَوْلُهُ وَلَيْسَ على أَهْلِ سِقَايَةِ الْحَاجِّ وَالرِّعَاءِ مَبِيتٌ بِمِنًى. وهذا [هذا] بِلَا نِزَاعٍ وَيَجُوزُ لهم الرَّمْيُ لَيْلًا وَنَهَارًا.
تنبيه: مَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَيْسَ على أهلي [أهل] سِقَايَةِ الْحَاجِّ وَالرِّعَاءِ مَبِيتٌ بِمِنًى أَنَّ غَيْرَهُمْ يَلْزَمُهُ الْمَبِيتُ بها مُطْلَقًا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ أَهْلُ الأعذار من غَيْرِ الرِّعَاءِ كَالْمَرْضَى وَمَنْ له مَالٌ يَخَافُ ضَيَاعَهُ وَنَحْوَهُمْ حُكْمُهُمْ حُكْمُ الرِّعَاءِ في تَرْكِ الْبَيْتُوتَةِ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وابن رَزِينٍ. قال في الْفُصُولِ وَكَذَا خَوْفُ فَوَاتِ مَالِهِ وَمَوْتِ مَرِيضٍ. قُلْت هذا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ هو الصَّوَابُ. قال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَضَعَ الْحَصَى في يَدِ النَّائِبِ لِيَكُونَ له عَمَلٌ في الرَّمْيِ انْتَهَى. وَلَوْ أُغْمِيَ على الْمُسْتَنِيبِ لم تَنْقَطِعْ النِّيَابَةُ.
. قَوْلُهُ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَعَجَّلَ في يَوْمَيْنِ خَرَجَ قبل غُرُوبِ الشَّمْسِ. هذا بِلَا نِزَاعٍ وهو النَّفْرُ الْأَوَّلُ وَلَا يَضُرُّ رُجُوعُهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ لِحُصُولِ الرُّخْصَةِ وَلَيْسَ عليه في الْيَوْمِ الثَّالِثِ رَمْيٌ قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَيَدْفِنُ بَقِيَّةَ الْحَصَى على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا. قال في الْفَائِقِ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ الْأُولَى قُلْت لَا يَتَعَيَّنُ بَلْ له طَرْحُهُ وَدَفْعُهُ إلَى غَيْرِهِ انْتَهَى. فَعَلَى الْأَوَّلِ قال بَعْضُ الْأَصْحَابِ منهم صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ يَدْفِنُهُ في الْمَرْمَى. وفي مَنْسَكِ بن الزَّاغُونِيِّ أو يَرْمِي بِهِنَّ كَفِعْلِهِ في اللَّوَاتِي قَبْلَهَا.
تنبيه: شَمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُرِيدَ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ وهو كَذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ لَا يُعْجِبُنِي لِمَنْ نَفَرَ النَّفْرَ الْأَوَّلَ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ وَحَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ على الِاسْتِحْبَابِ. قَوْلُهُ فَإِنْ غَرَبَتْ وهو بها لَزِمَهُ الْمَبِيتُ وَالرَّمْيُ من الْغَدِ. هذا بِلَا نِزَاعٍ وَيَكُونُ الرَّمْيُ بَعْدَ الزَّوَالِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ على ما تَقَدَّمَ وَعَنْهُ أو قَبْلَهُ أَيْضًا وَتَقَدَّمَتْ هذه الرِّوَايَةُ أَيْضًا قَرِيبًا وَهَذَا النَّفْرُ الثَّانِي.
فائدة: ليس لِلْإِمَامِ الْمُقِيمِ لِلْمَنَاسِكِ التَّعْجِيلُ لِأَجْلِ من يَتَأَخَّرُ قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قُلْت فيعايى بها.
تنبيه: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فإذا أتى مَكَّةَ لم يَخْرُجْ حتى يُوَدِّعَ الْبَيْتَ بِالطَّوَافِ إذَا فَرَغَ من جَمِيعِ أُمُورِهِ. يَقْتَضِي أَنَّهُ لو أَرَادَ الْمُقَامَ بِمَكَّةَ لَا وَدَاعَ عليه وهو كَذَلِكَ سَوَاءٌ نَوَى الْإِقَامَةَ قبل النَّفْرِ أو بَعْدَهُ. قَوْلُهُ فإذا وَدَّعَ الْبَيْتَ ثُمَّ اشْتَغَلَ في تِجَارَةٍ أو أَقَامَ أَعَادَ الْوَدَاعَ. إذَا وَدَّعَ ثُمَّ اشْتَغَلَ في تِجَارَةٍ أَعَادَ الْوَدَاعَ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ اشْتَغَلَ بِغَيْرِ شَدِّ رَحْلٍ وَنَحْوِهِ أَعَادَ الْوَدَاعَ لَا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا. وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَإِنْ قَضَى حَاجَةً في طَرِيقِهِ لم يُعِدْ أَيْضًا نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. وقال ابن عَقِيلٍ وابن الْجَوْزِيِّ إنْ تَشَاغَلَ في طَرِيقِهِ بِشِرَاءِ زَادٍ وَنَحْوِهِ لم يُعِدْ. وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ إنْ قَضَى حَاجَتَهُ في طَرِيقِهِ أو اشْتَرَى زَادًا في طَرِيقِهِ لم يُعِدْ زَادَ في الْكُبْرَى أو صلى.
فوائد: منها يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاعِ رَكْعَتَيْنِ وَيُقَبِّلَ الْحَجَرَ. وَمِنْهَا يُسْتَحَبُّ دُخُولُ الْبَيْتِ وَالْحِجْرِ منه وَيَكُونُ حَافِيًا بِلَا خُفٍّ وَلَا نَعْلٍ وَلَا سِلَاحٍ نَصَّ على ذلك. وَمِنْهَا ما قَالَهُ في الْفُنُونِ تَعْظِيمُ دُخُولِ الْبَيْتِ فَوْقَ الطَّوَافِ يَدُلُّ على قِلَّةِ الْعِلْمِ انْتَهَى. وَمِنْهَا النَّظَرُ إلَى الْبَيْتِ عِبَادَةٌ قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وقال في الْفُصُولِ وَكَذَا رُؤْيَتُهُ لِمَقَامِ الْأَنْبِيَاءِ وَمَوَاضِعِ الْأَنْسَاكِ. قَوْلُهُ وَمَنْ أَخَّرَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ فَطَافَهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ أَجْزَأَ عن طَوَافِ الْوَدَاعِ. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ في شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي في كِتَابِ الصَّلَاةِ قَالَهُ في الْقَوَاعِدِ. وَعَنْهُ لَا يُجْزِيهِ عنه فَيَطُوفُ له وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي.
فائدة: لو أَخَّرَ طَوَافَ الْقُدُومِ فَطَافَهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ لم يُجْزِهِ عن طَوَافِ الْوَدَاعِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ حَيْثُ اقْتَصَرُوا على الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وقال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْهَادِي وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالتَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ يُجْزِيهِ كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَقَطَعُوا بِهِ وَقَالُوا نَصَّ عليه زَادَ في الْهِدَايَةِ في رِوَايَةِ بن الْقَاسِمِ قُلْت هذا الْمَذْهَبُ ولم أَرَ لِمَا قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ مُوَافِقًا. قَوْلُهُ فَإِنْ خَرَجَ قبل الْوَدَاعِ رَجَعَ إلَيْهِ فَإِنْ لم يُمْكِنْهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ. إذَا خَرَجَ قبل الْوَدَاعِ وكان قَرِيبًا فَعَلَيْهِ الرُّجُوعُ إذَا لم يَخَفْ على نَفْسٍ أو مَالٍ أو فَوَاتِ رُفْقَةٍ أو غَيْرِ ذلك فَإِنْ رَجَعَ فَلَا دَمَ عليه. وَإِنْ كان بَعِيدًا وهو مَسَافَةُ الْقَصْرِ لَزِمَهُ الدَّمُ سَوَاءٌ رَجَعَ أو لَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه قال في الْفُرُوعِ لَزِمَهُ دَمٌ في الْمَنْصُوصِ قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْكَافِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ. وقال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَيُحْتَمَلُ سُقُوطُ الدَّمِ عن الْبَعِيدِ بِرُجُوعِهِ كَالْقَرِيبِ. وَمَسَافَةُ الْقَصْرِ من مِثْلِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وقد يُقَالُ من الْحَرَمِ. وَأَمَّا إذَا لم يُمْكِنْ الرُّجُوعُ لِلْقَرِيبِ فإن عليه دَمًا وَكَذَا لو أَمْكَنَهُ ولم يَرْجِعْ بِطَرِيقِ أَوْلَى. فَمَتَى رَجَعَ الْقَرِيبُ لم يَلْزَمْهُ إحْرَامٌ بِلَا نِزَاعٍ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ كَرُجُوعِهِ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ. وَإِنْ رَجَعَ الْبَعِيدُ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ لُزُومًا وَيَأْتِي بها وَبِطَوَافِ الْوَدَاعِ.
فائدة: قال في الْفُرُوعِ لو وَدَّعَ ثُمَّ أَقَامَ بِمِنًى ولم يَدْخُلْ مَكَّةَ يَتَوَجَّهُ جَوَازُهُ. وَإِنْ خَرَجَ غير حَاجٍّ فَظَاهِرُ كَلَامِ شَيْخِنَا لَا يُوَدِّعُ انْتَهَى.
تنبيه: شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وهو قَوْلُهُ فَإِنْ خَرَجَ قبل الْوَدَاعِ كُلَّ حَاجٍّ سَوَاءٌ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ أَهْلُ الْحَرَمِ لَا وَدَاعَ عليهم. قَوْلُهُ إلَّا الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ فَلَا وَدَاعَ عَلَيْهِمَا. بِلَا نِزَاعٍ وهو مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لم تَطْهُرْ قبل مُفَارَقَةِ الْبُنْيَانِ فَإِنْ طَهُرَتْ قبل مُفَارَقَةِ الْبُنْيَانِ لَزِمَهَا الْعَوْدُ لِلْوَدَاعِ وَإِنْ طَهُرَتْ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْبُنْيَانِ لم يَلْزَمْهَا الْعَوْدُ وَلَوْ كان قبل مَسَافَةِ الْقَصْرِ بِخِلَافِ الْمُقَصِّرِ بِالتَّرْكِ. قَوْلُهُ وإذا فَرَغَ من الْوَدَاعِ وَقَفَ في الْمُلْتَزَمِ بين الرُّكْنِ وَالْبَابِ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ بين الْأَصْحَابِ وَذَكَرَ أَحْمَدُ أَنَّهُ يَأْتِي الْحَطِيمَ أَيْضًا وهو تَحْتَ الْمِيزَابِ فَيَدْعُو. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ثُمَّ يَشْرَبُ من مَاءِ زَمْزَمَ وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ. وَنَقَلَ حَرْبٌ إذَا قَدِمَ مُعْتَمِرًا فَيُسْتَحَبُّ له أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ بَعْدَ عُمْرَتِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ يَخْرُجُ فَإِنْ الْتَفَتَ وَدَّعَ نَصَّ عليه وَذَكَرَهُ أبو بَكْرٍ وَقَدَّمَهُ في التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ وَحَمَلَهُ جَمَاعَةٌ على النَّدْبِ. وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ وابن الزَّاغُونِيُّ لَا يُوَلِّي ظَهْرَهُ حتى يَغِيبَ. قال في الْفَائِقِ لَا يُسَنُّ له الْمَشْيُ القهقري بَعْدَ وَدَاعِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ. قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هذا بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ثُمَّ يَأْتِي الْمُحَصَّبَ فَيُصَلِّي فيه الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمُغْرِبَ وَالْعِشَاءَ ثُمَّ يَهْجَعُ وَاقْتَصَرَ عليه في الْمُغْنِي. قَوْلُهُ فإذا فَرَغَ من الْحَجِّ اُسْتُحِبَّ له زِيَارَةُ قَبْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَبْرِ صَاحِبِيهِ. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً مُتَقَدِّمُهُمْ وَمُتَأَخِّرُهُمْ. وقال في الْفُصُولِ نَقَلَ صَالِحٌ وأبو طَالِبٍ إذَا حَجَّ لِلْفَرْضِ لم يَمُرَّ بِالْمَدِينَةِ لِأَنَّهُ إذَا حَدَثَ بِهِ حَدَثُ الْمَوْتِ كان في سَبِيلِ الْحَجِّ وَإِنْ كان تَطَوُّعًا بَدَأَ بِالْمَدِينَةِ.
فائدتان: إحْدَاهُمَا يُسْتَحَبُّ اسْتِقْبَالُ الْحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ على سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ حَالَ زِيَارَتِهِ ثُمَّ بَعْدَ فَرَاغِهِ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَجْعَلُ الْحُجْرَةَ عن يَسَارِهِ وَيَدْعُو ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ قَرُبَ من الْحُجْرَةِ أو بَعُدَ انْتَهَى. قُلْت الْأَوْلَى الْقُرْبُ قَطْعًا. قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ إنَّهُ يَسْتَقْبِلُ وَيَدْعُو. قال ابن عَقِيلٍ وابن الْجَوْزِيِّ يُكْرَهُ قَصْدُ الْقُبُورِ لِلدُّعَاءِ. قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أو وُقُوفُهُ أَيْضًا عِنْدَهَا لِلدُّعَاءِ. الثَّانِيَةُ لَا يُسْتَحَبُّ تَمَسُّحُهُ بِقَبْرِهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في الْمُسْتَوْعِبِ بَلْ يُكْرَهُ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَهْلُ الْعِلْمِ كَانُوا لَا يَمَسُّونَهُ نَقَلَ أبو الْحَارِثِ يَدْنُو منه وَلَا يَتَمَسَّحُ بِهِ بَلْ يَقُومُ حِذَاءَهُ فَيُسَلِّمُ وَعَنْهُ يَتَمَسَّحُ بِهِ وَرَخَّصَ في الْمِنْبَرِ. قال ابن الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُ وَلْيَأْتِ الْمِنْبَرَ فَيَتَبَرَّكُ بِهِ تَبَرُّكًا بِمَنْ كان يَرْتَقِي عليه. قَوْلُهُ في صِفَةِ الْعُمْرَةِ من كان في الْحَرَمِ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ فَأَحْرَمَ منه. الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ إحْرَامَ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ كان بها من غَيْرِهِمْ وَأَهْلَ الْحَرَمِ يَصِحُّ بِالْعُمْرَةِ من أَدْنَى الْحِلِّ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وقال ابن أبي مُوسَى إنْ كان بِمَكَّةَ من غَيْرُ أَهْلِهَا وَأَرَادَ عُمْرَةً وَاجِبَةً فَمِنْ الْمِيقَاتِ فَلَوْ أَحْرَمَ من دُونِهِ لَزِمَهُ دَمٌ وَإِنْ أَرَادَ نَفْلًا فَمِنْ أَدْنَى الْحِلِّ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ ذلك مُسْتَوْفًى في بَابِ الْمَوَاقِيتِ في قَوْلِهِ وَأَهْلُ مَكَّةَ إذَا أَرَادُوا الْعُمْرَةَ فَمِنْ الْحِلِّ. قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ من التَّنْعِيمِ. هذا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ والمذهب [المذهب] وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالشَّرْحِ وَشَرْح ابن مُنَجَّا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُحْرِمَ من الْجِعْرَانَةِ جَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ ذَكَرَهُ في بَابِ الْمَوَاقِيت وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وقال ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ الْكُلُّ سَوَاءٌ. وما اسْتَحْضَرَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَلَعَلَّهُ أَرَادَ في الْمُغْنِي أو لم يَكُنْ في النُّسْخَةِ التي عِنْدَهُ. وَالْأَفْضَلُ بَعْدَهُمَا الْحُدَيْبِيَةُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ التَّسْوِيَةُ. وَنَقَلَ صَالِحٌ وَغَيْرُهُ في الْمَكِّيِّ أَفْضَلُهُ الْبُعْدُ هِيَ على قَدْرِ تَعَبِهَا قال الْقَاضِي في الْخِلَافِ مُرَادُهُ من الْمِيقَاتِ بَيَّنَهُ في رِوَايَةِ بَكْرِ بن مُحَمَّدٍ. وقال في الرِّعَايَةِ الْأَفْضَلُ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ ما بَعُدَ نَصَّ عليه.
تنبيه: قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ من التَّنْعِيمِ هو في نُسْخَةٍ مَقْرُوءَةٍ على الْمُصَنِّفِ وَعَلَيْهَا شَرْحُ الشَّارِحِ وابن مُنَجَّا وفي بَعْضِ النُّسَخِ هذا كُلُّهُ سَاقِطٌ. قَوْلُهُ فَإِنْ أَحْرَمَ من الْحَرَمِ لم يُجْزِهِ بِلَا نِزَاعٍ وَيَنْعَقِدُ وعليه دَمٌ. بِعَقْدِ إحْرَامِهِ من الْحَرَمِ على الصَّحِيح من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَعَلَيْهِ دَمٌ. وَقِيلَ لَا يَصِحُّ قال في الْفُرُوعِ وَإِنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ من مَكَّةَ أو الْحَرَمِ لَزِمَهُ دَمٌ وَيُجْزِئُهُ إنْ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ قبل طَوَافِهَا وَكَذَا بَعْدَهُ كَإِحْرَامِهِ دُونَ مِيقَاتِ الْحَجِّ وَلَنَا قَوْلٌ لَا انْتَهَى وَتَابَعَهُ على ذلك الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي. وقال في الرِّعَايَةِ فَإِنْ أَحْرَمَ بها من الْحَرَمِ أو من مَكَّةَ مُعْتَمِرًا صَحَّ في الْأَصَحِّ وَلَزِمَهُ دَمٌ. وَقِيلَ إنْ أَحْرَمَ بها مَكِّيٌّ من مَكَّةَ أو من بَقِيَّةِ الْحَرَمِ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ قبل طَوَافِهَا وَقِيلَ قبل إتْمَامِهَا وَعَادَ فَأَتَمَّهَا كَفَتْهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِإِحْرَامِهِ دُونَ مِيقَاتِهَا وَإِنْ أَتَمَّهَا قبل أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهَا فَفِي إجْزَائِهَا وَجْهَانِ انْتَهَى. قال الزَّرْكَشِيُّ فَإِنْ لم يَخْرُج حتى أَتَمَّ أَفْعَالَهَا فَوَجْهَانِ الْمَشْهُورُ الْإِجْزَاءُ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ وُجُودُ هذا الطَّوَافِ كَعَدَمِهِ وهو بَاقٍ على إحْرَامِهِ حتى يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ ثُمَّ يَطُوفُ بَعْدَ ذلك وَيَسْعَى وَإِنْ حَلَقَ بَعْدَ ذلك فَعَلَيْهِ دَمٌ وكذلك كُلُّ ما فَعَلَهُ من مَحْظُورَاتِ إحْرَامِهِ عليه فِدْيَةٌ. وَإِنْ وطىء أَفْسَدَ عُمْرَتَهُ وَيَمْضِي في فَاسِدِهَا وَعَلَيْهِ دَمٌ وَيَقْضِيهَا بِعُمْرَةٍ من الْحِلِّ وَيُجْزِئُهُ عنها وَإِنْ كانت عُمْرَةُ الْإِسْلَامِ قال في الرِّعَايَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْزِئَ بِدَمٍ. قَوْلُهُ ثُمَّ يَطُوفُ وَيَسْعَى ثُمَّ يَحْلِقُ أو يُقَصِّرُ ثُمَّ قد حَلَّ وَهَلْ مَحِلُّهُ قبل الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ على رِوَايَتَيْنِ. أَصْلُ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ الرِّوَايَتَانِ اللَّتَانِ في الْحَجّ هل الْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ نُسُكٌ أو إطْلَاقٌ من مَحْظُورٍ على ما تَقَدَّمَ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وابن مُنَجَّا وَتَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ نُسُكٌ. فَالصَّحِيحُ هُنَا أَنَّهُ نُسُكٌ فَلَا يَحِلُّ منها إلَّا بِفِعْلِ أَحَدِهِمَا وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ إطْلَاقٌ من مَحْظُورٍ فَيَحِلُّ قبل فِعْلِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالتَّلْخِيصِ. وَيَأْتِي في وَاجِبَاتِ الْعُمْرَةِ أَنَّ الْحِلَاقَ أو التَّقْصِيرَ وَاجِبٌ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. قَوْلُهُ وَتُجْزِئُ عُمْرَةُ الْقَارِنِ وَالْعُمْرَةُ من التَّنْعِيمِ عن عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. تُجْزِئُ عُمْرَةُ الْقَارِنِ عن عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا تُجْزِئُ عُمْرَةُ الْقَارِنِ عن عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ اخْتَارَهُ أبو حَفْصٍ وأبو بَكْرٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ. وَتَقَدَّمَ ذلك في الْإِحْرَامِ في صِفَةِ الْقِرَانِ. وَأَمَّا الْعُمْرَةُ من التَّنْعِيمِ فَتُجْزِئُ عن عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى لَا تُجْزِئُ عن الْعُمْرَةِ الْوَاجِبَةِ.
فوائد: إحْدَاهَا لَا بَأْسَ أَنْ يَعْتَمِرَ في السَّنَةِ مِرَارًا وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ كَرَاهَةُ الْإِكْثَارِ منها وَالْمُوَالَاةُ بَيْنَهَا قال الْمُصَنِّفُ بِاتِّفَاقِ السَّلَفِ وَاخْتَارَهُ هو وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ. قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ إنْ شَاءَ كُلَّ شَهْرٍ وقال أَيْضًا لَا بُدَّ أَنْ يَحْلِقَ أو يُقَصِّرَ وفي عَشَرَةِ أَيَّامٍ يُمْكِنُ الْحَلْقُ. وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ منها اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَه ابن رزين في شَرْحِهِ. وَمَنْ كَرِهَ أَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ مُرَادَهُ إذَا عَرَضَ بِالطَّوَافِ وَإِلَّا لم يُكْرَهْ خِلَافًا لِشَيْخِنَا يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ. وقال في الْفُصُولِ له أَنْ يَعْتَمِرَ في السَّنَةِ ما شَاءَ وَيُسْتَحَبُّ تَكْرَارُهَا في رَمَضَانَ لِأَنَّهَا فيه تَعْدِلُ حَجَّةً. وَكَرِهَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْخُرُوجَ من مَكَّةَ لِلْعُمْرَةِ إذَا كان تَطَوُّعًا وقال هو بِدْعَةٌ لِأَنَّهُ لم يَفْعَلْهُ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَلَا صَحَابِيٌّ على عَهْدِهِ إلَّا عَائِشَةَ لَا في رَمَضَانَ وَلَا في غَيْرِهِ اتِّفَاقًا. الثَّانِيَةُ الْعُمْرَةُ في رَمَضَانَ أَفْضَلُ مُطْلَقًا قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ هِيَ فيه تَعْدِلُ حَجَّةً قال وَهِيَ حَجٌّ أَصْغَرُ. الثَّالِثَةُ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْعُمْرَةَ في غَيْرِ أَشْهُر الْحَجِّ أَفْضَلُ من فِعْلِهَا فيها ذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْخِلَافِ وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وابن إبْرَاهِيمَ عن أَحْمَدَ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةِ التَّسْوِيَةِ. قُلْت اخْتَارَ في الهدي أن الْعُمْرَةَ في أَشْهُر الْحَجِّ أَفْضَلُ وَمَالَ إلَى أَنَّ فِعْلَهَا في أَشْهُرِ الْحَجِّ أَفْضَلُ من فِعْلِهَا في رَمَضَانَ. الرَّابِعَةُ لَا يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ بها يوم عَرَفَةَ وَالنَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَقَلَ أبو الْحَارِثِ يَعْتَمِرُ مَتَى شَاءَ. وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ رِوَايَةً تُكْرَهُ في أَيَّامِ التَّشْرِيقِ قال في الْفَائِقِ زَادَ أبو الْحُسَيْنِ يوم عَرَفَةَ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَذَكَرَ في الرِّعَايَةِ تُكْرَهُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وقال وَمَنْ أَحْرَمَ بها قبل مِيقَاتِهَا لم تَصِحَّ في وَجْهٍ. قَوْلُهُ أَرْكَانُ الْحَجِّ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ. بِلَا نِزَاعٍ فِيهِمَا فَلَوْ تَرَكَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ رَجَعَ مُعْتَمِرًا نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَنَقَلَ يَعْقُوبُ فِيمَنْ طَافَ في الْحِجْرِ وَرَجَعَ لِبَغْدَادَ يَرْجِعُ لِأَنَّهُ على نِيَّةِ إحْرَامِهِ فَإِنْ وطىء أَحْرَمَ من التَّنْعِيمِ على حديث بن عَبَّاسٍ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَنَقَلَ غَيْرُهُ مَعْنَاهُ. فَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدَّمَ أَنَّ أَرْكَانَ الْحَجِّ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ فَقَطْ فَلَيْسَ السَّعْيُ وَالْإِحْرَامُ رُكْنَيْنِ على الْمُقَدَّمِ عنه. أَمَّا السَّعْيُ فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ إحْدَاهُنَّ هو رُكْنٌ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَصَحَّحَهُ في التَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ هو سُنَّةٌ وأطلقهما في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ هو وَاجِبٌ اخْتَارَهُ أبو الْحُسَيْنِ التَّمِيمِيُّ وَالْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنْتَخَبِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْمَذْهَبِ. وَأَمَّا الْإِحْرَامُ وهو النِّيَّةُ فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ غَيْرُ رُكْنٍ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ وَاجِبٌ وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ وَذَكَرَهَا الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ نَقَلَهُ عنه في التَّلْخِيصِ. وَحَكَاهَا في الْفَائِقِ وقال اخْتَارَهُ الشَّيْخُ يَعْنِي الْمُصَنِّفَ وَاخْتَارَهَا التَّمِيمِيُّ أَيْضًا ولم يَذْكُرْهَا في الْفُرُوعِ . وَعَنْهُ أَنَّهُ رُكْنٌ وَهِيَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ قال ابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذه أَصَحُّ في ظَاهِرِ قَوْلِ الْأَصْحَابِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ شَرْطٌ حَكَاهَا في الْفُرُوعِ قال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ عنه إنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ قال ابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ ولم أَجِدْ أَحَدًا ذَكَرَ أَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ كَذَلِكَ وَبِهِ قال أبو حَنِيفَةَ. وَذَلِكَ أَنَّ من قال بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى قَاسَ الْإِحْرَامَ على نِيَّةِ الصَّلَاةِ وَنِيَّةُ الصَّلَاةِ شَرْطٌ فَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِحْرَامُ شرط [شرطا] وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَجُوزُ فِعْلُهُ قبل دُخُولِ وَقْتِ الْحَجِّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا كَالطَّهَارَةِ مع الصَّلَاةِ انْتَهَى. وقال أَيْضًا في بَابِ الْإِحْرَامِ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ شَرْطٌ كما ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا كَنِيَّةِ الْوُضُوءِ فَلَعَلَّ قَوْلَهُ هُنَا لم أَجِدْ أَحَدًا ذَكَرَ أَنَّهُ شَرْطٌ يَعْنِي عن أَحْمَدَ وَإِلَّا كان كَلَامُهُ مُتَنَاقِضًا. وَأَطْلَقَ رِوَايَةَ الشَّرْطِيَّةِ وَالرُّكْنِيَّةِ في الْفُرُوعِ وقال في كَلَامِ جَمَاعَةٍ ما ظَاهِرُهُ رِوَايَةُ بجواز [جواز] تَرْكِهِ. وقال في الْإِرْشَادِ وهو سُنَّةٌ وقال الْإِهْلَالُ فَرِيضَةٌ وَعَنْهُ سُنَّةٌ. قَوْلُهُ وَوَاجِبَاتُهُ سَبْعَةٌ الْإِحْرَامُ من الْمِيقَاتِ. بِلَا نِزَاعٍ إنْشَاءً وَدَوَامًا قال في التَّلْخِيصِ وَالْإِنْشَاءُ أَوْلَى. قَوْلُهُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ إلَى اللَّيْلِ. مُرَادُهُ إذَا وَقَفَ نَهَارًا فَيَجِبُ الْجَمْعُ بين اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ. قَوْلُهُ وَالْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ إلَى ما بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ. مُرَادُهُ إذَا وَافَاهَا قبل نِصْفِ اللَّيْلِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةَ إذَا جَاءَهَا قبل نِصْفِ اللَّيْلِ وَاجِبٌ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ ليس بِوَاجِبٍ وَاسْتَثْنَى الْخِرَقِيُّ من ذلك الرُّعَاةَ وَأَهْلَ السِّقَايَةِ فلم يَجْعَلْ عليهم مَبِيتًا بِمُزْدَلِفَةَ قال الزَّرْكَشِيُّ ولم أَرَ من صَرَّحَ بِاسْتِثْنَائِهِمَا إلَّا أَبَا مُحَمَّدٍ حَيْثُ شَرَحَ الْخِرَقِيُّ. قَوْلُهُ وَالْمَبِيتُ بِمِنًى. الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَبِيتَ بِمِنًى في لَيَالِيهَا وَاجِبٌ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ سُنَّةٌ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا ما يَجِبُ في تَرْكِ الْمَبِيتِ بها في لَيَالِيهَا أو في لَيْلَةٍ. قَوْلُهُ وَالرَّمْيُ. بِلَا نِزَاعٍ وَيَجِبُ تَرْتِيبُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا وتقدم [وقدم] أَنَّهُ هل هو شَرْطٌ أَمْ لَا أو مع الْجَهْلِ. قَوْلُهُ وَالْحِلَاقُ. مُرَادُهُ أو التَّقْصِيرُ على ما تَقَدَّمَ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ ليس بِوَاجِبٍ وَتَقَدَّمَ هل هو نُسُكٌ أو إطْلَاقٌ من مَحْظُورٍ. قَوْلُهُ وَطَوَافُ الْوَدَاعِ. هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ وَصَحَّحَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ ليس بِوَاجِبٍ.
تنبيه: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ يَجِبُ وَلَوْ لم يَكُنْ بِمَكَّةَ قال في الْفُرُوعِ هو ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ قال الْآجُرِّيُّ وَيَطُوفُهُ مَتَى أَرَادَ الْخُرُوجَ من مَكَّةَ أو مِنًى أو من نَفْرٍ آخَرَ. قال في التَّرْغِيبِ وَالتَّلْخِيصِ لَا يَجِبُ على غَيْرِ الْحَاجِّ. قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَمَتَى أَرَادَ الْحَاجُّ الْخُرُوجَ من مَكَّةَ لم يَخْرُجْ حتى يُوَدِّعَ.
فائدة: طَوَافُ الْوَدَاعِ هو طَوَافُ الصَّدْرِ على الصَّحِيحِ وَقِيلَ الصَّدْرُ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ.
تنبيه: شَمَلَ قَوْلُهُ وما عَدَا هذا سُنَنٌ مَسَائِلَ فيها خِلَافٌ في الْمَذْهَبِ. منها الْمَبِيتُ بِمِنًى لَيْلَةَ عَرَفَةَ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ سُنَّةٌ قَطَعَ بِه ابن أبي مُوسَى في الْإِرْشَادِ وَالْقَاضِي في الْخِلَافِ وابن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ وأبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وابن الْجَوْزِيِّ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالسَّامِرِيُّ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وَغَيْرُهُمْ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ. وَقِيلَ يَجِبُ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ. وَمِنْهَا الرَّمَلُ وَالِاضْطِبَاعُ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وفي عُيُونِ الْمَسَائِلِ يَجِبَانِ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ إذَا نَسِيَ الرَّمَلَ فَلَا شَيْءَ عليه وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ. وَمِنْهَا طَوَافُ الْقُدُومِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَ محمد بن حَرْبٍ هو وَاجِبٌ وهو قَوْلٌ في الرِّعَايَةِ. وَمِنْهَا الدَّفْع من عَرَفَةَ مع الْإِمَامِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ سُنَّةٌ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ قال الزَّرْكَشِيُّ هو اخْتِيَارُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَقَطَعَ الْخِرَقِيُّ أَنَّ عليه دَمًا بِتَرْكِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ أَرْكَانُ الْعُمْرَةِ الطَّوَافُ. بِلَا نِزَاعٍ وفي الْإِحْرَامِ وَالسَّعْيِ رِوَايَتَانِ. اعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ هُنَا في السَّعْيِ وَالْإِحْرَامِ وفي الْإِحْرَامِ أَيْضًا من الْمِيقَاتِ كَالْخِلَافِ في ذلك في الْحَجِّ على ما تَقَدَّمَ نَقْلًا وَمَذْهَبًا هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ أَرْكَانُهَا الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ فَقَطْ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ وقال في الْفُصُولِ السَّعْيُ في الْعُمْرَةِ رُكْنٌ بِخِلَافِ الْحَجِّ لِأَنَّهَا أَحَدُ النُّسُكَيْنِ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِرُكْنَيْنِ كَالْحَجِّ. قَوْلُهُ وَوَاجِبَاتُهَا الْحِلَاقُ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وهو أَيْضًا مَبْنِيٌّ على وُجُوبِهِ في الْحَجِّ على ما تَقَدَّمَ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ. قَوْلُهُ فَمَنْ تَرَكَ رُكْنًا لم يَتِمَّ نُسُكُهُ إلَّا بِهِ. وكذا لو تَرَكَ النِّيَّةَ له لم يَصِحَّ ذلك الرُّكْنُ إلَّا بها. وَمَنْ تَرَكَ وَاجِبًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَلَوْ كان سَهْوًا أو جَهْلًا. وَتَقَدَّمَ في بَعْضِ الْمَسَائِلِ خِلَافٌ بِعَدَمِ وُجُوبِ الدَّمِ كَامِلًا كَتَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى في لَيَالِيهَا وَنَحْوِهِ وكذا تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا تَرَكَهُ جَهْلًا.
بَابُ: الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ قَوْلُهُ وَمَنْ طَلَعَ عليه الْفَجْرُ يوم النَّحْرِ ولم يَقِفْ بِعَرَفَةَ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ. بِلَا نِزَاعٍ وَسَوَاءٌ فَاتَهُ الْوُقُوفُ لِعُذْرِ حَصْرٍ أو غَيْرِهِ أو لِغَيْرِ عُذْرٍ. قَوْلُهُ وَيَتَحَلَّلُ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ. يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ فَقَطْ وَلَوْ لم يَكُنْ عُمْرَةً وهو الظَّاهِرُ وهو قَوْل ابن حَامِدٍ ذَكَرَهُ عنه جَمَاعَةٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ يتحلل [تحلل] بِعُمْرَةٍ من طَوَافٍ وَسَعْيٍ وَغَيْرِهِ وَلَا يَنْقَلِبُ. إحْرَامُهُ وَاخْتَارَه ابن حامد أَيْضًا ذَكَرَهُ عنه الْقَاضِي وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ يَنْقَلِبُ إحْرَامُهُ بِعُمْرَةٍ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه قال في التَّلْخِيصِ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَقَالَا اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قَارِنًا وَغَيْرَهُ منهم أبو بَكْرٍ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيُّ وهو من الْمُفْرَدَاتِ. قال الزَّرْكَشِيُّ فَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يتحلل [تحلل] بِعُمْرَةٍ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وأبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالشَّيْخَانِ قال فَعَلَى هذا صَرَّحَ أبو الْخَطَّابِ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ إحْرَامَهُ يَنْقَلِبُ بِمُجَرَّدِ الْفَوَاتِ إلَى عُمْرَةٍ قال الشَّارِحُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ من قال وَيُجْعَلُ إحْرَامُهُ عُمْرَةً أَرَادَ أَنَّهُ يَفْعَلُ فِعْلَ الْمُعْتَمِرِ من الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَلَا يَكُونُ بين الْقَوْلَيْنِ خِلَافٌ انْتَهَى. وَنَقَل ابن أبي مُوسَى أَنَّهُ يَمْضِي في حَجٍّ فَاسِدٍ وَيَلْزَمُهُ تَوَابِعُ الْوُقُوفِ من مَبِيتٍ وَرَمْيٍ وَغَيْرِهِمَا وَيَقْضِيهِ انْتَهَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ يدخل [دخل] إحْرَامُ الْحَجِّ فَقَطْ. وقال أبو الْخَطَّابِ فائدة: الْخِلَافِ أَنَّهُ إذَا صَارَتْ عُمْرَةً جَازَ إدْخَالُ الْحَجِّ عليها فَيَصِيرُ قَارِنًا وإذا لم تَصِرْ عُمْرَةً لم يَجُزْ له ذلك. وَاحْتَجَّ الْقَاضِي بِعَدَمِ الصِّحَّةِ على أَنَّهُ لم يَبْقَ إحْرَامُ الْحَجِّ وَإِلَّا لم يَصِحَّ وَصَارَ قَارِنًا. وَاحْتَجَّ بن عَقِيلٍ بِأَنَّهُ لو جَازَ بَقَاؤُهُ لَجَازَ أَدَاءُ أَفْعَالِ الْحَجِّ بِهِ في السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ وَبِأَنَّ الْإِحْرَامَ إمَّا أَنْ يؤدى بِهِ حَجَّةً أو عُمْرَةً فَأَمَّا عَمَلُ عُمْرَةٍ فَلَا.
فائدة: هذه الْعُمْرَةُ التي انْقَلَبَتْ لَا تُجْزِئُ عن عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه لِوُجُوبِهَا كَمَنْذُورَةٍ وَقِيلَ تُجْزِئُ. قال في الشَّرْحِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِيرَ إحْرَامُ الْحَجِّ إحْرَامًا بِعُمْرَةٍ بِحَيْثُ يُجْزِيهِ. عن عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عليها لَصَارَ قَارِنًا إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْحَجُّ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ إلَّا أَنْ يَصِيرَ مُحَرَّمًا بِهِ في غَيْرِ أَشْهُرِهِ فَيَكُونُ كَمَنْ قَلَبَ الْحَجَّ في غَيْرِ أَشْهُرِهِ وَلِأَنَّ قَلْبَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ يَجُوزُ من غَيْرِ سَبَبٍ فَمَعَ الْحَاجَةِ أَوْلَى. قَوْلُهُ وَلَا قَضَاءَ عليه إلَّا أَنْ يَكُونَ فَرْضًا. إنْ كان فَرْضًا وَجَبَ عليه الْقَضَاءُ بِلَا نِزَاعٍ وَإِنْ كان نَفْلًا فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عليه وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّلْخِيصِ وَصَحَّحَهُ في الْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَصَحَّحَه ابن رزين في شَرْحِهِ فِيمَا إذَا أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ وهو من الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ عليه الْقَضَاءُ كَالْفَرْضِ وهو الْمَذْهَبُ قال في الْفُرُوعِ وَالْمَذْهَبُ لُزُومُ قَضَاءِ النَّفْلِ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وقال الزَّرْكَشِيُّ هذه الرِّوَايَةُ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَه ابن رزين فِيمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ. قَوْلُهُ وَهَلْ يَلْزَمُهُ هَدْيٌ على رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْفَائِقِ. إحْدَاهُمَا يَلْزَمُهُ هَدْيٌ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْح ابن رَزِينٍ وَالتَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْحَاوِيَيْنِ قال الزَّرْكَشِيُّ هِيَ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا هَدْيَ عليه. فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا فَرْقَ بين أَنْ يَكُونَ سَاقَ هَدْيًا أَمْ لَا نَصَّ عليه. وَيَذْبَحُ الْهَدْيَ في حَجَّةِ الْقَضَاءِ إنْ قُلْنَا عليه قَضَاءٌ وَإِلَّا ذَبَحَهُ في عَامِهِ. قال في الْمُسْتَوْعِبِ إنْ كان قد سَاقَ هَدْيًا نَحَرَهُ ولم يُجْزِهِ عن دَمِ الْفَوَاتِ وَقَالَه ابن أبي مُوسَى وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمَا. وقال الْمُصَنِّفُ لَا يُجْزِيهِ إنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ انْتَهَى. فَعَلَى الْأَوَّلِ مَتَى يَكُونُ قد وَجَبَ عليه فيه وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا وَجَبَ في سَنَتِهِ وَلَكِنْ يُؤَخَّرُ إخْرَاجُهُ إلَى قَابِلٍ. وَالثَّانِي لم يَجِبْ إلَّا في سَنَةِ الْقَضَاءِ انْتَهَى. قال في الْفُرُوعِ وَيَلْزَمُهُ هَدْيٌ على الْأَصَحِّ قِيلَ مع الْقَضَاءِ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ في عَامِهِ دَمٌ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَبْحٌ إلَّا مع الْقَضَاءِ إنْ وَجَبَ قبل [قيل] تَحَلُّلُهُ منه كَدَمِ التَّمَتُّعِ وَإِلَّا في عَامِهِ انْتَهَى. وقال في الرِّعَايَةِ يُخْرِجُهُ في سُنَّةِ الْفَوَاتِ فَقَطْ إنْ سَقَطَ الْقَضَاءُ وَإِنْ وَجَبَ فَمَعَهُ لَا قَبْلَهُ سَوَاءٌ وَجَبَ سُنَّةُ الْفَوَاتِ في وَجْهٍ أو سُنَّةُ الْقَضَاءِ انْتَهَى. قُلْت الصَّوَابُ وُجُوبُهُ مع الْقَضَاءِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ.
فائدة: الْهَدْيُ هُنَا دَمٌ وَأَقَلُّهُ شَاةٌ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وقطعوا [قطعوا] بِهِ وقال في الْمُوجَزِ يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو عَدِمَ الْهَدْيَ زَمَنَ الْوُجُوبِ صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثَلَاثَةً في الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وقال الْخِرَقِيُّ يَصُومُ عن كل مُدٍّ من قِيمَتِهِ يَوْمًا. وَتَقَدَّمَ ال تنبيه: على ذلك في الْفِدْيَةِ في الضَّرْبِ الثَّالِثِ.
تنبيه: مَحَلُّ الْخِلَافِ في وُجُوبِ الْهَدْيِ إذَا لم يَشْتَرِطْ أَنَّ مَحَلِّي حَيْثُ حَبَسَتْنِي على ما يَأْتِي في آخِرِ الْبَابِ.
فائدتان: إحْدَاهُمَا لو اخْتَارَ من فَاتَهُ الْحَجُّ الْبَقَاءَ على إحْرَامِهِ لِيَحُجَّ من قَابِلٍ فَلَهُ ذلك على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ ليس له ذلك. الثَّانِيَةُ لو كان الذي فَاتَهُ الْحَجُّ قَارِنًا حَلَّ وَعَلَيْهِ مِثْلُ ما أَهَلَّ بِهِ من قَابِلٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُجْزِئَهُ عن عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ وَتَقَدَّمَ ذلك قَرِيبًا وَتَقَدَّمَ في بَابِ الْإِحْرَامِ عِنْدَ ذِكْرِ وُجُوبِ الدَّمِ على الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ أَنَّ دَمَهُمَا لَا يَسْقُطُ بِالْفَوَاتِ على الصَّحِيحِ وما يَلْزَمُ الْقَارِنَ إذَا قَضَى قَارِنًا وإذا قَضَى مُفْرِدًا أو مُتَمَتِّعًا فَلْيُعَاوِدْ. قَوْلُهُ وَإِنْ أَخْطَأَ الناس فَوَقَفُوا في غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ أَجْزَأَهُمْ. سَوَاءٌ كان وُقُوفُهُمْ يوم الثَّامِنِ أو الْعَاشِرِ نَصَّ عَلَيْهِمَا. قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَهَلْ هو يَوْمُ عَرَفَةَ بَاطِنًا فيه خِلَافٌ في مَذْهَبِ أَحْمَدَ بِنَاءً على أَنَّ الْهِلَالَ اسْمٌ لَمَا يَطْلُعُ في السَّمَاءِ أو لِمَا يَرَاهُ الناس وَيَعْلَمُونَهُ وَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ في مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ عن أَحْمَدَ فيه رِوَايَتَيْنِ قال وَالثَّانِي الصَّوَابُ وَيَدُلُّ عليه لو أَخْطَئُوا لِغَلَطٍ في الْعَدَدِ أو في الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ فَوَقَفُوا الْعَاشِرَ لم يُجْزِ إجْمَاعًا فَلَوْ اُغْتُفِرَ الْخَطَأُ لِلْجَمِيعِ لَا يُغْتَفَرُ لهم في هذه الصُّورَةِ بِتَقْدِيرِ وُقُوعِهَا فَعُلِمَ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا. يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لو كان هُنَا خَطَأٌ وَصَوَابٌ لَا يُسْتَحَبُّ الْوُقُوفُ مَرَّتَيْنِ وهو بِدْعَةٌ لم يَفْعَلْهُ السَّلَفُ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا خَطَأَ. وَمَنْ اعْتَبَرَ كَوْنَ الرَّائِي من مَكَّةَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ أو بِمَكَانٍ لَا تَخْتَلِفُ فيه. الْمَطَالِعُ فَقَوْلٌ لم يَقُلْهُ أَحَدٌ من السَّلَفِ في الْحَجِّ فَلَوْ رَآهُ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ لم يَنْفَرِدُوا بِالْوُقُوفِ بَلْ عليهم الْوُقُوفُ مع الْجُمْهُورِ. قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ وُقُوفٌ مَرَّتَيْنِ إنْ وَقَفَ بَعْضُهُمْ لَا سِيَّمَا من يَرَاهُ قال وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ إنْ أَخْطَئُوا وَالْغَلَطُ في الْعَدَدِ في الرُّؤْيَةِ وَالِاجْتِهَادِ مع الْإِغْمَامِ أَجْزَأَ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ وَإِنْ أَخْطَأَ بَعْضُهُمْ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَجُمْهُورُهُمْ قَطَعَ بِهِ وَقِيلَ هو كَحَصْرِ الْعَدُوِّ.
تنبيه: قَوْلُهُ وَإِنْ أَخْطَأَ بَعْضُهُمْ هَكَذَا عِبَارَةُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وقال في الِانْتِصَارِ إنْ أَخْطَأَ عَدَدٌ يَسِيرٌ وفي التَّعْلِيقِ فِيمَا إذَا أَخْطَئُوا الْقِبْلَةَ قال الْعَدَدُ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ. قال في الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ إنْ أَخْطَأَ نَفَرٌ منهم قال ابن قُتَيْبَةَ يقال إنَّ النَّفَرَ ما بين الثَّلَاثَةِ إلَى الْعَشَرَةِ وَقِيلَ النَّفَرُ في قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ صَرَفْنَا إلَيْك نَفَرًا من الْجِنِّ} سَبْعَةٌ وَقِيلَ تِسْعَةٌ وَقِيلَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا قال ابن الْجَوْزِيِّ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ النَّفَرَ لَا يُطْلَقُ على الْكَثِيرِ. قَوْلُهُ وَمَنْ أَحْرَمَ فَحَصَرَهُ عَدُوٌّ وَمَنَعَهُ من الْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ ولم يَكُنْ له طَرِيقٌ آمِنٌ إلَى الْحَجِّ وَلَوْ بَعُدَتْ وَفَاتَ الْحَجُّ ذَبَحَ هَدْيًا في مَوْضِعِهِ وَحَلَّ. يَعْنِي يَتَحَلَّلُ بِنَحْرِ هَدْيِهِ بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ بِهِ وُجُوبًا فَتُعْتَبَرُ النِّيَّةُ هُنَا لِلتَّحَلُّلِ ولم تُعْتَبَرْ في غَيْرِ الْمُحْصَرِ لِأَنَّ غَيْرَهُ قد أتى بِأَفْعَالِ النُّسُكِ فَقَدْ أتى بِمَا عليه وَالْمُحْصَرُ يُرِيدُ الْخُرُوجَ من الْعِبَادَةِ قبل إكْمَالِهَا وَالذَّبْحُ قد يَكُونُ لِغَيْرِ الْحِلِّ.
تنبيه: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ سَوَاءٌ أَحَصَرَهُ العدد [العدو] قبل الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أو بَعْدَهُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالزَّرْكَشِيِّ. وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ إنَّمَا ذلك إذَا كان قبل التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فَأَمَّا الحصر [المحصر] عن طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ فَلَيْسَ له أَنْ يَتَحَلَّلَ وَمَتَى زَالَ الْحَصْرُ أتى بِالطَّوَافِ وَتَمَّ حَجُّهُ. قَوْلُهُ ذَبَحَ هَدْيًا في مَوْضِعِهِ. يَعْنِي في مَوْضِعِ حَصْرِهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَسَوَاءٌ كان مَوْضِعُهُ في الْحِلِّ أو في الْحَرَمِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ لَا يَنْحَرُهُ إلَّا في الْحَرَمِ ويواطىء [ويواطئ] رَجُلًا على نَحْرِهِ في وَقْتٍ يَتَحَلَّلُ فيه قال الْمُصَنِّفُ هذا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِيمَنْ كان حَصْرُهُ خَاصًّا فَأَمَّا الْحَصْرُ الْعَامُّ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَهُ أَحَدٌ. وَعَنْهُ لَا يَنْحَرُهُ إلَّا في الْحَرَمِ إذَا كان مُفْرِدًا أو كان قَارِنًا وَيَكُونُ يوم النَّحْرِ. قال في الْكَافِي وَكَذَلِكَ من سَاقَ هَدْيًا لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا يوم النَّحْرِ. وَقَدَّمَ في الرِّعَايَةِ أَنَّهُ لَا يَنْحَرُ الْهَدْيَ إلَّا يوم النَّحْرِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ بِذَبْحِهِ التَّحَلُّلَ بِهِ لِأَنَّ الْهَدْيَ يَكُونُ لِغَيْرِهِ فَلَزِمَهُ النِّيَّةُ طَلَبًا لِلتَّمْيِيزِ.
تنبيه: قَوْلُهُ ذَبَحَ هَدْيًا يَعْنِي أَنَّ الْهَدْيَ يَلْزَمُهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وعليه الْأَصْحَابُ وَاخْتَارَ بن الْقَيِّمِ في الْهَدْيِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُحْصَرَ هَدْيٌ.
فائدة: لَا يَلْزَمُ الْمُحْصَرَ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ سَوَاءٌ تَحَلَّلَ بَعْدَ فَوَاتِهِ أو لَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إنْ تَحَلَّلَ بَعْدَ فَوَاتِهِ فَعَلَيْهِ هَدْيَانِ هَدْيٌ لِتَحَلُّلِهِ وَهَدْيٌ لِفَوَاتِهِ.
تنبيهان: أَحَدُهُمَا ظَاهِرُ قَوْلِهِ ذَبَحَ هَدْيًا وَحَلَّ أَنَّ الْحِلَّ مُرَتَّبٌ على الذَّبْحِ وهو الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَنْهُ في الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ لَا يَحِلُّ إلَّا يَوْمُ النَّحْرِ لِيَتَحَقَّقَ الْفَوَاتُ. الثَّانِي ظَاهِرُ قَوْلِهِ فَإِنْ لم يَجِدْ هَدْيًا صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ حَلَّ. أَنَّهُ لَا إطْعَامَ فيه وهو صَحِيحٌ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَعَنْهُ فيه إطْعَامٌ وقال الْآجُرِّيُّ إنْ عَدِمَ الْهَدْيَ مَكَانَهُ قَوَّمَهُ طَعَامًا وَصَامَ عن كل مُدٍّ يَوْمًا وَحَلَّ وَأَحَبُّ أَنْ لَا يَحِلَّ حتى يَصُومَ إنْ قَدَرَ فَإِنْ صَعُبَ عليه حَلَّ ثُمَّ صَامَ وَتَقَدَّمَ ذلك في الْفِدْيَةِ.
فائدتان: إحْدَاهُمَا لو حَصَرَ عن فِعْلٍ وَاجِبٍ لم يَتَحَلَّلْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَلَيْهِ دَمٌ له وقال الْقَاضِي يَتَوَجَّهُ فِيمَنْ حَصَرَ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ الثَّانِي يَتَحَلَّلُ وَأَوْمَأَ إلَيْهِ قال في الْفَائِقِ وقال شَيْخُنَا له التَّحَلُّلُ. الثَّانِيَةُ يُبَاحُ التَّحَلُّلُ لِحَاجَةٍ في الدَّفْعِ إلَى قِتَالٍ أو بَذْلِ مَالٍ كَثِيرٍ فَإِنْ كان يَسِيرًا وَالْعَدُوُّ مُسْلِمٌ فقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ بَذْلِهِ كَالزِّيَادَةِ في ثَمَنِ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ. قُلْت وهو الصَّوَابُ. وَقِيلَ لَا يَجِبُ بَذْلُهُ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ عن بَعْضِ الْأَصْحَابِ وأطلقهما في الْفُرُوعِ وَمَعَ كُفْرِ الْعَدُوِّ يُسْتَحَبُّ قِتَالُهُمْ إنْ قَوِيَ الْمُسْلِمُونَ وَإِلَّا فَتَرْكُهُ أَوْلَى.
تنبيه: ظَاهِرُ كلام الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنَّ الْحِلَاقَ أو التَّقْصِيرَ لَا يَجِبُ هُنَا وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِدُونِهِ وهو أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لِعَدَمِ ذِكْرِهِ في الْآيَةِ وَلِأَنَّهُ مُبَاحٌ ليس بِنُسُكٍ خَارِجِ الْحَرَمِ لِأَنَّهُ من تَوَابِعِ الْحَرَمِ كَالرَّمْيِ وَالطَّوَافِ وَقَدَّمَ في الْمُحَرَّرِ عَدَمَ الْوُجُوبِ وهو ظاهر [ظاهره] كَلَامِ الْخِرَقِيُّ وَقَدَّمَه ابن رزين في شَرْحِهِ. وَقِيلَ فيه رِوَايَتَانِ مَبْنِيَّتَانِ على أَنَّهُ هل هو نُسُكٌ أو إطْلَاقٌ من مَحْظُورٍ. وَجَزَمَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ في الْكَافِي وقال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ بَعْدَ أَنْ أَطْلَقَا الرِّوَايَتَيْنِ وَلَعَلَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ على الْخِلَافِ في الْحَلْقِ هل هو نُسُكٌ أو إطْلَاقٌ من مَحْظُورٍ. وَقَدَّمَ الْوُجُوبَ في الرِّعَايَةِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ وَأَطْلَقَ الطَّرِيقَتَيْنِ في الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى التَّحَلُّلَ قبل ذلك لم يَحِلَّ. وَلَزِمَهُ دَمٌ لِتَحَلُّلِهِ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لِذَلِكَ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. قَوْلُهُ وفي وُجُوبِ الْقَضَاءِ على الْمُحْصَرِ رِوَايَتَانِ. إذَا زَالَ الْحَصْرُ بِعَدَمِ تحلله [تحلل] وَأَمْكَنَهُ الْحَجُّ لَزِمَهُ فِعْلُهُ في ذلك الْعَامِ وَإِنْ لم يُمْكِنْهُ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ في وُجُوبِ الْقَضَاءِ عليه رِوَايَتَيْنِ يَعْنِي إذَا كان نَفْلًا بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ وفي وُجُوبِ الْقَضَاءِ رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا لَا قَضَاءَ عليه وهو الْمَذْهَبُ نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عن أَحْمَدَ قال الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيُّ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَابْنُهُ أبو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُمَا. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَجِبُ عليه الْقَضَاءُ نَقَلَهَا أبو الْحَارِثِ وأبو طَالِبٍ وَخَرَجَ منهما [منها] في الْوَاضِحِ مِثْلُهُ في منذوره.
فائدة: مِثْلُ الْمُحْصَرِ في هذه الْأَحْكَامِ من جُنَّ أو أُغْمِيَ عليه قَالَهُ في الِانْتِصَارِ. قَوْلُهُ فَإِنْ صُدَّ عن عَرَفَةَ دُونَ الْبَيْتِ تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ. وَلَا شَيْءَ عليه وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ هو كَمَنْ مُنِعَ من الْبَيْتِ وَعَنْهُ هو كَحَصْرِ مَرَضٍ. قَوْلُهُ وَمَنْ أُحْصِرَ بِمَرَضٍ أو ذَهَابِ نَفَقَةٍ لم يَكُنْ له التَّحَلُّلُ حتى يَقْدِرَ على الْبَيْتِ فَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجُوزَ له التَّحَلُّلُ كَمَنْ حَصَرَهُ عَدُوٌّ وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَعَلَّهَا أَظْهَرُ انْتَهَى. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وقال مِثْلُهُ حَائِضٌ تَعَذَّرَ مَقَامُهَا وَحَرُمَ طَوَافُهَا وَرَجَعَتْ ولم تَطُفْ لِجَهْلِهَا بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ أو لِعَجْزِهَا عنه أو لِذَهَابِ الرُّفْقَةِ. قال في الْفُرُوعِ وَكَذَا من ضَلَّ الطَّرِيقَ ذَكَرَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وقال الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ لَا يَتَحَلَّلُ.
فوائد: منها لَا يَنْحَرُ الْمُحْصَرُ بِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ إنْ كان معه هَدْيٌ إلَّا بِالْحَرَمِ نَصَّ أَحْمَدُ على التَّفْرِقَةِ وفي لُزُومِ الْقَضَاءِ والهدى الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ هذا هو الصَّحِيحُ وَأَوْجَبَ الْآجُرِّيُّ الْقَضَاءَ هُنَا. وَمِنْهَا يَقْضِي الْعَبْدُ كَالْحُرِّ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءٌ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَصِحُّ قَضَاؤُهُ في رَقِّهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ لَا يَصِحُّ وَتَقَدَّمَ ذلك كُلُّهُ في أَحْكَامِ الْعَبْدِ في أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ. وَمِنْهَا يَلْزَمُ الصَّبِيَّ الْقَضَاءُ كَالْبَالِغِ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءٌ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عليه وَقِيلَ يَصِحُّ قبل بُلُوغِهِ. وَتَقَدَّمَ ذلك في أَحْكَامِ الصَّبِيِّ في أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ أَيْضًا فَلْيُعَاوِدْ. وَمِنْهَا لو أُحْصِرَ في حَجٍّ فَاسِدٍ فَلَهُ التَّحَلُّلُ فَإِنْ حَلَّ ثُمَّ زَالَ الْحَصْرُ وفي الْوَقْتِ سَعَةٌ فَلَهُ أَنْ يَقْضِيَ في ذلك الْعَامِ. قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَجَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ وَلَيْسَ يُتَصَوَّرُ الْقَضَاءُ في الْعَامِ الذي أُفْسِدَ الْحَجُّ فيه في غَيْرِ هذه الْمَسْأَلَةِ. وَقِيلَ لِلْقَاضِي لو جَازَ طَوَافُهُ في النِّصْفِ الْأَخِيرِ لَصَحَّ إذَنْ حَجَّتَيْنِ في عَامٍ وَاحِدٍ وَلَا يَجُوزُ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ يَرْمِي وَيَطُوفُ وَيَسْعَى فيه ثُمَّ يُحْرِمُ بِحَجَّةٍ أُخْرَى وَيَقِفُ بِعَرَفَةَ قبل الْفَجْرِ وَيَمْضِي فيها وَيَلْزَمُكُمْ أَنْ تَقُولُوا بِهِ لِأَنَّهُ إذَا تَحَلَّلَ من إحْرَامِهِ فَلَا مَعْنَى لِمَنْعِهِ منه فقال الْقَاضِي لَا يَجُوزُ. وقد نَقَلَ أبو طَالِبٍ فِيمَنْ لَبَّى بِحَجَّتَيْنِ لَا يَكُونُ إهْلَالٌ بِشَيْئَيْنِ لِأَنَّ الرَّمْيَ عَمَلٌ وَاجِبٌ بِالْإِحْرَامِ السَّابِقِ فَلَا يَجُوزُ مع بَقَائِهِ أَنْ يُحْرِمَ بِغَيْرِهِ انْتَهَى. وَقِيلَ يَجُوزُ في مَسْأَلَةِ الْمُحْصَرِ هذه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ وَمَنْ شَرَطَ في ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسَتْنِي فَلَهُ التَّحَلُّلُ بِجَمِيعِ ذلك وَلَا شَيْءَ عليه. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ معه هَدْيٌ فَيَلْزَمُهُ نَحْرُهُ. وقال الزَّرْكَشِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَأَبِي الْبَرَكَاتِ أَنَّهُ يَحِلُّ بِمُجَرَّدِ ذلك وَتَقَدَّمَ في بَابِ الْإِحْرَامِ.
|